Skip to main content

محمد يتيم : المغرب الافريقي في إفريقيا المستقلة والمتحررة من الوصاية

 

 

الخطاب التاريخي لجلالة الملك بالقمة الافريقية كان مفعما بالعواطف، ولكن في نفس الوقت كان خطابا قويا صادرا عن  استراتيجية متبصرة مبنية هي الاخرى بوعي عميق للفرص المتاحة لأفريقيا وللتحديات التي تواجهها، وبالإضافة النوعية التي قدمها وسيقدمها المغرب لأفريقيا. 

هناك ثلاث لحظات قوية ودالة في الخطاب الملكي نقف عندها بعجالة: 

 أولا: إن عودة المغرب للاتحاد الافريقي لم يكن عملا مرتجلا أو مبنيا على ردود افعال، المغرب رجع الى بيته الافريقي ليس من الباب الضيق، وإنما من الباب الواسع ، كما دل على ذلك  الاستقبال الحار الذي خص بع جلالة الملك من قبل اخوانه  الأفارقة اليوم، وهو ما أكده الخطاب وأكده ايضا التجاوب الكبير مع فقراته من قبل الحاضرين.

ثانيا: إن انسحاب المغرب من المنظمة في حينه ونتائجه لم يكن تقديرا خاطئا بل العكس من ذلك، فقد مكنه من تركيز عمله داخل القارة، وابراز مدى حاجة المغرب لإفريقيا، ومدى حاجة إفريقيا للمغرب. هذا التركيز تمت ترجمته من خلال الحضور المغربي في افريقيا من خلال العلاقات الثنائية ومضاعفة عدد الاتفاقيات التي أبرمها المغرب مع بلدان أفريقية وعدد الزيارات التي قام بها جلالة الملك إلى مختلف جهات ومناطق القارة التي شملت 25 بدا إفريقيا،  وايضا من خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات في القطاع الخاص وفي مجال التكوين والتعليم العالي، واستمرار انفتاح الجامعات المغربية على الطلبة الأفارقة وإبرام اتفاقيات استراتيجية في مجال الطاقة من قبيل مشروع أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي، الذي سيمكن من نقل الغاز من البلدان المنتجة نحو أوروبا، وستستفيد منه كافة دول إفريقيا الغربية والمشاريع التي تهدف إلى الرفع من المردودية الفلاحية، وضمان الأمن الغذائي والتنمية القروية، من قبيل  إقامة وحدات لإنتاج الأسمدة بالشراكة مع كل من إثيوبيا ونيجيريا ومن قبيل مبادرة “Triple A”، التي أطلقت بمناسبة قمة المناخ “كوب 22. وجوهرها المبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات ، فضلا عن السياسة الجديدة للهجرة التي مكنت من  استقبال الأفارقة من دول جنوب الصحراء، في إطار الالتزام بالمبادئ التي قمنا بالإعلان عنها سابقا. وقد تم إطلاق العديد من عمليات تسوية الوضعية، وجهود المغرب في مجال الحفاظ على  علاقاتنا في مجالي الأمن والسلم، من الطبيعي اذن ان يلقى طلب عودة المغرب كل هذا التجاوب وتفشل كل محاولات إفشالها والتشويش عليها . هو اذن حضور فعلى ميداني تلمس اثاره البلدان الافريقية لا ينطلق من منطلق الوصاية او شراء التبعية ولكن من منطلق علاقة رابح رابح ومن منطلق الاحترام المتبادل والتعاون الصادق .

الملاحظة الثانية: إن المغرب لم يرجع من اجل تقسيم افريقيا ولا من اجل الدخول في جدل عقيم وانما هو راجع لمنظمته  بمنظور لم الشمل ، منظور منفتح على المستقبل في أفق تعاوني ، بحيث سيضع المغرب تجربته وإمكانياته وخبرته لمصلحة افريقيا ، المغرب يعود وهو مدرك ايضا للفرص والامكانيات الموجودة في افريقيا ويستحضر نجاح  التكتلات الافريقية المختلفة والتي برهن حجم التبادل التجاري بين بلدانها على انها تمتلك فرصا احسن، فهو راجع الى فضاء واعد بعد ان انطفأت كما يقول جلالة الملك شعلة الاتحاد المغاربي  وعجزه  المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت بالمقارنة مع بعض التجمعات الجهوية الافريقية.

ثالثا: وفي صلب هذه الرؤية الاستراتيجية التي رجع من خلالها المغرب الى افريقيا أكد جلالته على مسألة جوهرية وهي  افريقيا المستقلة في قرارها والقادرة على الاعتماد على امكانياتها الذاتية ، حيث إنه قد حان الوقت  - يقول جلالته - ان تعتمد  افريقيا على نفسها ومواردها  ورصيدها الثقافي لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها ، وانه بعد عقود من نهب ثروات الأراضي الإفريقية، يجب أن العمل على تحقيق مرحلة جديدة من الازدهار.

على افريقيا ان تتخلص من تلك الصورة النمطية التي تجعلها "عالما ثالثا " يستدعي الوصاية وتتلقي الدروس في الديمقراطية . لقد حان لأفريقيا ان تتحرر من الوصاية في المصادقة على مساراتها الانتخابية بنفسها، وتصون الاختيار الحر لمواطنيها من خلال  آليات التقنين والضبط، وعلى المؤسسات القضائية، كالمجالس الدستورية والمجالس العليا، المخول لها صلاحية البت في المنازعات والطعون المرتبطة بالانتخابات.

آن الأوان لها ان تتخلص من الانتهازية الاقتصادية لبعض دول الشمال التي تعطي وهي تعيش أوضاعا هشة تعطي مع ذلك الحق في إملاء نموذجها التنموي علينا..

 ذلك ان شعوب إفريقيا يقول جلالة الملك، تتوفر على الوسائل وعلى العبقرية، وتملك القدرة على العمل الجماعي من أجل تحقيق تطلعات شعوبها والمغرب اختار ان يكون افريقيا في افريقيا مستقلة ومتحررة من الوصاية.