Skip to main content

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس الاتحاد البرلماني الأفريقي في اللقاء البرلماني الإفريقي المنظم من قبل المنظمة العالمية للتجارية

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

حضرات السيدات والسادة..

يطيب لي في البداية أن أعبر عن مدى سعادتي وسروري بالمشاركة في افتتاح هذا المؤتمر البرلماني الافريقي ، معربا عن ترحيبي بكافة المشاركات والمشاركين في هذا الملتقى الدولي ضيوفا كراما في بلدهم الثاني المغرب .

وقد زدنا غبطة واعتزازا  بانعقاد اشغال هذا المؤتمر  في رحاب حاضرة مراكش ، مدينة التاريخ والثقافة والحضارة ، ورمز التسامح والانفتاح ،المدينة التي عرفت تنظيم العديد من الملتقيات العالمية ، وكانت شاهدة على ميلاد عدد من المنظمات الإقليمية والدولية  ، ومنها المنظمة التي نلتئم اليوم في إطارها.

ولعل اختيار هذه المدينة لعقد هذا الحدث البرلماني الهام بعد أزيد من عشرين سنة على استضافة الجولة الاخيرة من مفاوضات الغات والتي أسفرت عن ميلاد المنظمة العالمية للتجارة ، هي اشارة لها رمزيتها البالغة ودلالاتها العميقة ، واعتراف صريح بالمجهودات التي تبذلها بلادنا على كافة المستويات ولا سيما في إرساء نظام اقتصاد عالمي اكثر نموا وأكثر إنصافا.

والواقع ان هذا الملتقى البرلماني ببعده الافريقي ، فضلا عن كونه يمثل فضاء لتجديد أواصر الاخوة والصداقة التي تجمعنا مع عدد من إخواننا وأصدقائنا من البرلمانات الحاضرة ، فإنه  يوفر لنا فرصا  سانحة  لتعميق الحوار وتعزيز التشاور وبلورة رؤية موحدة بشأن التحديات والرهانات المطروحة .

 كما يفتح لنا افقا جديدا لتعزيز  أسس التعاون والشراكة الاستراتيجية القائمة بيننا ، وإرساء علاقات اقتصادية وتجارية متعددة الابعاد ، تساهم في  بناء مستقبل أفضل لإفريقيا ولشعوبها الطامحة للعيش في فضاء يضمن شروط الاستقرار والتنمية والازدهار.

 

 

حضرات السيدات والسادة

 

من الواضح أن انعقاد هذا المؤتمر البرلماني الافريقي في هذه المدينة وفي هذه الوقت بالذات والذي يؤرخ لمرور أزيد من عقدين من الزمن على إحداث المنظمة العالمية للتجارة ، ليدعونا الى تقييم الاشواط التي قطعناها في تفعيل الاهداف المرسومة والتطلعات المتوقعة ، وكذا التساؤل حول ما تحقق على ارض الواقع ، وهل استطعنا كأفارقة أن نستثمر هذا الاطار التجاري المتميز  ،والفرص المهمة التي يوفرها لنا في تأهيل اقتصادياتنا ، والرفع من تنافسية تجارتنا الخارجية ، وضمان ولوجها إلى مختلف الأسواق الدولية ، بما يستجيب لطموحاتنا في بناء مستقبل افريقيا ، والوفاء لحاجيات وانتظارات المواطنين والأجيال المقبلة في ضمان التنمية الشاملة والمستديمة .

الواقع أنه خلال هذين العقدين من الزمن شهدت القارة الافريقية تغيرات هيكلية، وتحولات سياسية واقتصادية عميقة ، وأصبحت أكثر ثقة في نفسها ، وفي قدراتها ، وفي إمكانياتها وفي ثرواتها المادية والبشرية .

ولا شك ، أننا كأفارقة أصبحنا أكثر اقتناعا يوما بعد يوم بأن افريقيا تشكل أحد الاقطاب الاقتصادية الكبرى ، بل وقاطرة  للنمو و التنمية على المستوى  العالمي ، وأن مستقبل العالم هو افريقيا ، تلك القارة التي كرست فترة غير يسيرة من تاريخها خلال القرن الماضي لمحاربة الاستعمار ، ونبذ العنف ، ومحاربة مظاهر الفقر والتهميش والإقصاء ، وهاهي اليوم تتطلع الى بناء مستقبل أفضل ليس فقط لشعوبها ، وإنما أيضا للعالم بأسره ، فحجة الارقام شاهدة على ذلك إذ أن نسبة النمو الاقتصادي في افريقيا هي الاكبر منذ بداية هذا القرن، كما سجل ارتفاع المبادلات التجارية للقارة الافريقية مع باقي المناطق العالمية بأزيد من 200%، فضلا عن الطاقات البشرية الهائلة التي تزخر بها والتي يمكن اعتبارها رافعة لتعزيز البنيات الاقتصادية ، وتطوير المبادلات التجارية ، وضمان نسبة نمو مستدام.

وعلينا أن ندرك إذن ، ان افريقيا اليوم لم تعد فقط سوقا استهلاكية ، وإنما اصبحت أكثر قدرة على الابداع والعطاء والمساهمة الايجابية في تطوير الاقتصاد العالمي ، وانسياب الحركة التجارية العالمية في أوسع صورها .

وفي هذا السياق، نود التأكيد على النظرة المتعددة الابعاد لنجاح افريقيا في ارساء بنياتها الانتاجية والتي لن تكون لها فضائل ومزايا على المستوى الاقتصادي والتجاري فقط بالرغم من أهميتهما ، بل ستشكل حصنا منيعا لضمان السلم والأمن والاستقرار ، ومجابهة التحديات الامنية والمخاطر الارهابية ، والجرائم العابرة للقارات  ليس فقط في القارة الافريقية وإنما في المحيط الاقليمي والدولي.

 

حضرات السيدات والسادة

 

لا شك ان افريقيا بمقوماتها الاقتصادية المهمة ، وثرواتها البشرية الواعدة ، ونموذجها التنموي الصاعد لم تعد بحاجة الى مساعدات انسانية عابرة أو إعانات خارجية موسمية ، بل هي في حاجة الى علاقات تعاون متعددة الابعاد ، وشراكات اقتصادية وتجارية قوية ومتوازنة ومتضامنة وعادلة ومنصفة.

وفي هذا الإطار فإننا مدعوون الى استثمار الفرص الهامة التي يتيحها لنا الانضمام الى المنظمة العالمية للتجارة في تحسين الحكامة العالمية ، وتعزيز المبادلات التجارية، وتيسير الولوج الى الاسواق الدولية ، وتنويع الشراكات الاقتصادية ، وتقوية القدرة التنافسية للمقاولات، وتأهيل بنيات الانتاج ، ودعم العرض التصديري والرفع من  جودته ، وملاءمته لمتطلبات الاسواق الدولية ،باعتبار ذلك مدخلا اساسيا لجلب الاستثمار ، وتوفير فرص الشغل ، والزيادة في الناتج الداخلي الخام ، وارتفاع الاحتياطي من العملة الصعبة ،ومضاعفة النمو الوطني ، وتحقيق التنمية  المنشودة.

و لبلوغ هذه الغايات ، يتعين علينا جميعا أن نبذل مزيدا من الجهد ، والبحث عن اساليب خلاقة ومبتكرة من أجل  بناء رؤية موحدة قادرة على  إحداث طفرة نوعية في مجال تحسين مناخ الاعمال ، والتصدي للعوامل التي تؤثر سلبا على التبادل التجاري ، وتقوية التنسيق بين السياسات التجارية الخارجية ، والتطلع الى مزيد من التحرر والانفتاح التجاري وفق ما يخدم مصالح الدول الافريقية ، ويضمن نموها ورخاءها.

وفي هذا الصدد، فإننا نؤكد أن المغرب ومنذ ثمانينيات القرن الماضي اختار أن يؤسس لنموذج تنموي قائم على الانفتاح ، وتعزيز موقعه التجاري مع مختلف الدول والمنظمات الاقليمية والقارية والدولية ، وأن يخلق علاقات اقتصادية وتجارية متعددة ومتنوعة وتمتد الى مختلف مناطق وبقاع العالم.

والأكيد أن  هذه السياسة  المتبعة هي التي أكسبت بلادنا الكثير من الاحترام والتقدير ، وحققت لها مكتسبات مشجعة ، ولا سيما الوضع المتقدم لدى الاتحاد الاوربي ، وعقد عدد من اتفاقيات التبادل الحر مع مجموعة من الدول، فضلا عن الانضمام الى العديد من التكتلات والمنظمات الاقتصادية والتجارية الدولية .

وهذا لم يكن ليتحقق لولا الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قامت بها بلادنا، وكذا المبادرات النوعية الرامية الى مجال تحسين مناخ الأعمال الملائم ، وتبسيط إجراءات الاستثمار ، وإرساء الحكامة الجيدة ، وخلق ترسانة قانونية مشجعة، وسلطة قضائية مستقلة ،  وكذا سن العديد من  الاجراءات التحفيزية في المجال الضريبي والجبائي والعقاري ..الخ ، وذلك بالموازاة مع الاوارش الهيكلية الكبرى التي أطلقتها بلادنا خلال السنوات الاخيرة في تحديث البنيات التحتية  ، وتطوير القطاع الخدماتي ، وإنشاء المناطق الحرة ، وكذا بلورة عدد من المخططات القطاعية في الميدان الفلاحي والصيد البحري ، وفي مجال الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة ، و قطاع السياحة والصناعة التقليدية ، و الطاقات والطاقات المتجددة وغيرها من المخططات الوطنية والقطاعية التي أصبحت تعطي ثمارها وتضفي قيمتها النوعية على دعم الاقتصاد الوطني ، وانعاش الصادرات ، وتقوية المبادلات التجارية .

 

حضرات السيدات والسادة

 

إن حجم المنجزات التي حققتها افريقيا لا سيما في المجال التجاري ، لتدعونا أكثر من اي وقت مضى الى تحصين هذه المكتسبات والتراكمات ، وذلك وفق مقاربة شاملة ومندمجة، تراعي مساهمة جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين ولا سيما البرلمان  والبرلمانات بالنظر المكانة الذي أصبح يحتلها في الانظمة السياسية والدستورية الوطنية ، وكذا استنادا الى الادوار الكبيرة والمتميزة التي يضطلع بها ولا سيما في المجال التشريعي والرقابي.

وأننا على يقين ان هذا المؤتمر البرلماني الافريقي سيوفر لنا منطلقا جيدا للوقوف على التحديات التي تواجهنا في ظل عالم متغير ويشهد العديد من الاضطرابات والمفارقات التي قد تؤثر على مصالح دولنا ، وتطلعات شعوبنا الطامحة الى العيش في غد أفضل،ونحن نتطلع أن تمكن خلاصات هذا المؤتمر من فتح افق جديد قادر على تعزيز مكانة افريقيا وترسيخ اشعاعها ، والدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية .

مرة أخرى اجدد الترحيب بكافة المشاركات والمشاركين في هذا المؤتمر الهام على أرض المملكة المغربية ، متمنيا لأشغاله كامل النجاح والتوفيق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.