كلمة السيد كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، في االجلسة الخاصة المخصصة لاستقبال فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية السيد فرانسوا هولاند 04 ابريل 2013 فخامة السيد رئيس الجمهورية الفرنسية السيد فرانسوا هولاند سيدتي، السيد رئيس الحكومة، السيد رئيس مجلس المستشارين، السيدات والسادة الوزراء وأعضاء الوفد المرافق لفخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، السيدات والسادة البرلمانيين، أيها الحضور الكرام، إنها لحظة رفيعة في حياة برلمان المملكة المغربية، لحظة يطبعها السرور والتأثر وهيبة التاريخ، ونحن نستقبل ضيف المغرب الكبير، وصديق المغرب الكبير في هذا الفضاء الذي يعبر رمزيا وفعليا عن الخيار الديموقراطي الذي اختاره المغرب الحديث، فكراً وممارسةً، نهجاً وأفقاً لتدبير الشأن العام وأساساً للحكم، المغرب الذي آمَنَ بالتعددية، منذ بدايات الاستقلال في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ورفَضَ منطق الحزب الوحيد والانغلاق، وانخرط في مسلسل البناء الديمقراطي كما تجسد ذلك على عهد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، وكما عززه وسرعه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في مسار من الانفتاح والحرية وحقوق الإنسان والتعدد والإشراك والمأسسة الديموقراطية الهادئة. اسمحوا لي، فخامة الرئيس، أن أرحب بكم وبالسيدة فاليري تريرفيلر Mme Valérie Trierweiler، وبأعضاء الوفد المرافق لفخامتكم، وأن أعبر لكم عن صادق المشاعر الطيبة التي تترجم عمق الصداقة وقوة العلاقة بين بلدينا وشعبينا. والحقيقة أننا لا نشك مطلقا في نوعية ومستوى ومتانة العلاقات المغربية الفرنسية. وننظر بالكثير من التقدير والتثمين إلى الرصيد الإيجابي لهذه العلاقات الواسعة، الممتدة في الزمان والمكان، والتي تشمل مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي كما تعزز هذه العلاقات ترسانة قوية من القيم والمبادئ والمواقف المشتركة. وفي عالم اليوم الذي نواجه فيه أعقد المشاكل والإشكاليات وأصعب التحديات، بات مطلوبا منا أن ننظر إلى هذه العلاقات المتميزة كرصيد مشترك يفيدنا ويقوينا بطريقة متبادلة، علينا أيضا أن نغنيه بالمزيد من الأفكار والمبادرات. هذا الرصيد المشترك الذي ينبغي علينا جميعا أن نقوم بتحصينه ودعمه بل نبني عليه وننطلق منه لنتمكن من مواجهة هذه التحديات، سواء منها التحديات الإقليمية المطروحة على بلدينا معا أو المطروحة على كل بلد على حدة. ونحن في برلمان المملكة المغربية، إذ نعتز بالعلاقات المغربية الفرنسية ننظر إليها من ثلاثة أبعاد : البعد الأول، أن علاقات بلدينا تكتسي طابعا جيواستراتيجيا، بعمق تاريخي ثقافي حضاري وإنساني، وبتشاور منتظم في مختلف المنظمات والمحافل الدولية، وبحرص على استتباب السلم العالمي وسيادة الشرعية والقانون الدولي الإنساني. وهنا تحديداً يشرفني أن أعبر عن عميق التقدير والامتنان لما أبدته فرنسا من موقف متبصر حكيم واع ومسؤول تجاه ملف الوحدة الترابية للمغرب. ولن أفشي أي سر، فخامة الرئيس، إذا قلت لكم بأن من أكبر انتظارات الشعب المغربي من زيارتكم هذه لبلادنا، هو تأكيدكم أن فرنسا ستظل تساند اقتراح الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية كأساس لإيجاد حل سياسي نهائي متوافق بشأنه لهذا النزاع المفتعل. ولن يكون هذا الموقف عادلا فقط لأنه سيمكن الشعب المغربي من ضمان حقه المشروع في تحصين وصيانة وحدته الترابية بعد فترة الاستعمار التي طبعت ماضينا المشترك، والتي ننظر إليها نظرة هادئة تستحضر معطيات التاريخ وتتوجه نحو المستقبل، بل لأن الحل المقترح من طرف بلادنا يستجيب أيضاً لتوجهات وقرارات الأمم المتحدة التي تهدف إلى إيجاد حل سياسي، والتي اعتبرت المقترح المغربي حلا جديا ودا مصداقية. وأخيراً لأن هذا الدعم الذي يتطلع إليه الشعب المغربي سيشكل دعما قوياً لمغرب يتسم بحركية إصلاحية مشهود له بها، وبالجرأة في مختلف مبادراته سواء تعلق الأمر بقضيتنا الوطنية أو الإصلاحات الديموقراطية التي انخرط فيها. وفي هذا السياق، فخامة الرئيس، نؤمن بمغرب كبير يجمع بين الدول المغاربية الخمسة، تلتحم فيه الإرادات الخيرة للشعوب، وتتكامل فيه الإمكانات والأرصدة. نؤمن بمغرب كبير يستثمر مرجعياته الحضارية والثقافية والروحية، وجذوره العربية الأمازيغية الإفريقية الأندلسية العبرية مثلما يستثمر الإمكانات التي يمكن أن تخلقها سوق مغاربية قوية ومنفتحة على علاقات التعاون مع الشركاء والأصدقاء وبلدان الجوار المتوسطي والأوروبي ومع العالم. البعد الثاني، أن العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والمغرب تظل مثالا حيا ملموسا عن أحد أفضل وأقوى وأعمق نماذج التعاون والعلاقات الثنائية. وهنا، يهمني أن أؤكد على أهمية وراهنية فكرة التوطين المشترك للاستثمارات بين بلدينا La colocalisation اعتبارا للثروة المشتركة التي يمكن أن تخلقها في بلدينا، من خلال الرفع من تنافسية بعض القطاعات الصناعية والخدماتية لبلدكم، خصوصا في المهن العالمية للمغرب، ومن خلال جلب استثمارات خارجية محدثة لفرص الشغل في بلادنا وكذلك في بلادكم، حيث أبانت التجربة أن جزءاً يصنع في بلادنا وجزءاً يصنع في بلادكم. ومن جهة أخرى هناك أفق مفتوح واعد بإمكانيات متعددة لخلق شراكات أوطد بين الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين والمغاربة، وذلك من أجل التوجه نحو ضمان حضور أقوى في الأسواق المغاربية والعربية والأفريقية، ولِمَ لا في الأسواق الأسيوية والأمريكية اللاتينية وكافة المناطق والبلدان التي تعرف نِسَبَ نمو عالية. ولأننا، فخامة الرئيس، ندرك مدى صدق وجدية التزامكم بقضايا الشباب وتطلعات الأجيال الجديدة، ندرك أيضا دون أدنى شك أنكم واعون وعيا عميقا بأن علينا أن نتسم بنوع من السلاسة والعبقرية الخلاقة المنتجة في مقاربة موضوع الهجرة وحركية الشباب، وهذا هو البعدُ الثالث الذي نود الإشارة إليه، هذا البعد المتوجه نحو الشباب والمستقبل، وذلك من خلال استحضار الإطار الإنساني إلى جانب المقتضيات الأمنية والحدودية، والتفكير بطرق أكثر تحضرا وسماحة في استيعاب مثل هذه التطلعات الشبابية، وفتح الإمكانية لهجرة منظمة متحضرة تستند إلى اعتراف فعلي ملموس بالشهادات الجامعية المغربية من طرف شركائكم وشركائنا في الفضاء الأوروبي، علما أن المغرب منخرط بهذا الخصوص في حوار مفتوح مع أصدقائنا في المفوضية الأوروبية بحثا عن أفكار جديدة صانعة للمستقبل، وهو حوار يمكن أن نقوم فيه معاً بدور كبير. ويقتضي المقام، فخامة الرئيس، أن نتذكر أبناء وبنات الجالية المغربية فوق التراب الفرنسي ودورهم الحيوي في تطور الاقتصاد الفرنسي، وكذا في إثراء التعدد الثقافي الفرنسي. وإننا لنعتز بهم كسفراء للهوية المغربية، وللذاكرة المغربية. كما نعتز بالمقابل بما وفرته فرنسا لهذه الجالية من مقومات الضيافة الإنسانية والحضارية الكريمة. فخامة الرئيس، حضرات السيدات والسادة، إن الجغرافيا المتوسطية تلقي علينا بثقلها الحضاري والاستراتيجي. وإن انتماءنا المتوسطي المشترك ليزيدنا وعيا بجسامة التحديات والمعضلات المطروحة على هذه الجهة من العالم، وهو ما يتطلب منا المزيد من العمل المشترك في اتجاه تفعيل المشروع المتوسطي الكبير، مشروع التعاون، مشروع الرفاه المشترك الذي تسعون إليه، فخامة الرئيس، بالنظر إلى ما تولونه من أهمية قصوى للفكرة المتوسطية بكل أبعادها ورهاناتها، كما ستجسدون ذلك من خلال حضوركم، نهاية هذا الأسبوع في مرسيليا، قمة رؤساء برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط. إن ضمان السلام والأمن في البحيرة المتوسطية يرتبط بكيفية وثيقة بإقرار حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإننا إذ نشيد بالدور الفرنسي النبيل المتبصر تجاه الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقه في الحصول على صفة الدولة غير العضو في منظمة الأمم المتحدة في أفق الحصول على العضوية الكاملة، نتطلع إلى دور أقوى في هذا الاتجاه على طريق الإنصاف التاريخي للشعب الفلسطيني وتمكينه من بناء دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. فخامة الرئيس، أجدد الترحيب بكم، وبالسيدة فاليري تريرفيلر Mme Valérie Trierweiler وبكافة الأعضاء المرافقين لفخامتكم، وأدعوكم إلى التفضل إلى المنصة قصد مخاطبة أعضاء البرلمان في المملكة المغربية. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى.