Skip to main content

كلمة السيد سليمان العمراني النائب الأول لرئيس مجلس النواب في افتتاح اللقاء الأول من برنامج التبادل والتعاون بين البرلمانيات والمسؤولات السياسيات الألمانيات والمغربيات.

السيدات البرلمانيات المحترمات من جمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة

زميلاتي عضوات مجلس النواب

السيد المدير الإقليمي لمؤسسة هانس زايدل

السيدات والسادة

تغمرني سعادة كبرى وأنا أفتتح معكن هذا اللقاء الأول في برنامج التبادل والتعاون والحوار بين البرلمانيات والمسؤولات السياسيات الألمانيات والمغربيات، والذي يجسد عمق الروابط والعلاقات المتينة التي تجمع المملكة المغربية وجمهورية ألمانيا الاتحادية.

وأود أن أشكر مؤسسة هانس زايدل على تعاونها وانخراطها في هذه المبادرة المشتركة للمؤسسات التشريعية في المغرب وألمانيا، وهو الانخراط الذي يدخل في إطار تنفيذ مقتضيات مذكرة التعاون التي تجمع مجلس النواب بالمؤسسة.

 

الزميلات العزيزات،

لقد احسنتن اختيار محاور هذا المنتدى الأول بجعل قضايا المرأة في صلبه، إذ الأمر يتعلق - في الواقع - بموضوع يكتسي من الراهنية، ومن الاستعجال، ومن الأهمية ومن الحساسية، ما يجعله يتصدر اهتمامات المؤسسات والأحزاب وهيئات المجتمع المدني، والنقاش العمومي.

لقد جعل المغرب من قضية النساء في السياسة والمجتمع، وأوضاعهن الاقتصادية، وتمكينهن من الاستقلال الاقتصادي، وتيسير ولوجهن إلى مناصب المسؤولية السياسية والعمومية، التنفيذية والتمثيلية، ورشاً مركزيا في أوراش الإصلاح الدستوري والسياسي والمؤسساتي.

 

وتندرج هذه السياسة، في افق التوجه الإصلاحي والتحرري التي انخرطت فيه المملكة منذ أكثر من عقدين والذي تعزز مع اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش ويعرف وثيرة أسرع منذ مصادقة الشعب المغربي على دستور 2011، الذي ينص في فصله 19 تمتع المرأة على قدم المساواة مع الرجل بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور.

في هذا الصدد، ينبغي التذكير بأن بلادنا كانت من البلدان الإسلامية القليلة التي اعتمدت في 2004 مدونة للأسرة تكرس التوازن الأسري وتكرم المرأة وتمكنها من العديد من حقوقها في إطار الأسرة والمجتمع. وبالموازاة مع ذلك، ومن أجل تيسير ولوج النساء إلى السياسة وإلى المؤسسات المنتجة كان اعتماد بيداغوجية التمييز الإيجابي لفائدة النساء باعتماد اللائحة الوطنية برسم انتخابات مجلس النواب، منذ 2002 وهو ما ييسر اليوم وجود 81 سيدة في مجلس النواب (بنسبة 20.5% )، وانتخاب عدد كبير من النساء في الجماعات الترابية المحلية والاقليمية والجهوية.

وإدراكا من بلادنا لجدلية الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، وبأن تمكين النساء من ولوج مناصب المسؤولية التنفيذية والتمثيلية لابد له من رافعات اقتصادية تيسر إدماج النساء وتُخْرِجُهن من أوضاع الهشاشة والتهميش، فقد جعلت من تنفيذ سياسات عمومية للنوع الاجتماعي، نهجا ثابتا، سياسات تتوسع آثارها، وتنتج تحسنا ملموساً لأوضاع النساء، وتؤطرها جزئيا ميزانية النوع الاجتماعي التي أضحت مكونا ثابتاً في ميزانية الدولة منذ حوالي 15 سنة، ومؤسسات دستورية من قبيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

وبالموازاة مع ذلك، اعتمدت بلادنا عدة تشريعات لصيانة حقوق النساء وكفالة احترامها، في إطار سياسات عامة لاحترام حقوق الانسان وقيم المواطنة فيما توجد النساء في صلب المجهود الإنمائي الوطني من خلال دعم المقاولات النسائية، والاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي تعتبر النساء، خاصة في المغرب العميق والنائي، في صلبه.

ومع أن هذه السياسات، وهذه الجهود، تُنتجُ اليوم آثاراً إيجابية على أوضاع النساء المغربيات، وتضع بلادنا على طريق تحقيق أهداف الإنصاف، فإن بلوغ أهداف المناصفة والمساواة في الحقوق، وخاصة في ما يرجع إلى ولوج النساء السلس إلى مناصب المسؤولية التنفيذية والسياسية، يصطدم بنقل الماضي وبالتمثلات الاجتماعية وبنوع من الثقافة الإقصائية، مما يتطلب مجهوداً ثقافياً وتواصلياً يتوجه إلى هدف تصحيح التمثلات الاجتماعية عن المرأة، وتثمين مساهمتها في التنمية والتطوير، وتقدير جهودها المضنية وكفاحها اليومي في المعمل كما في الحقل، وفي المدرسة كما في المستشفى، وفي البرلمان كما في الحكومة، في الحزب كما في الجمعية، كشرطية ساهرة على أمن المجتمع وكجندية حامية للحدود.

 

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة،

نؤمن في بلادنا بمنهجية التراكم، وبالتدرج في الإصلاح، وبضرورة إنضاج التوافق من أجل هذا الإصلاح، ونَحرِصُ، جميعنا، على تجنب سياسة القطائع. وبقدر إيماننا بكل هذا، بقدر إيماننا بأهمية الاستفادة من تجارب وممارسات الآخرين : أصدقاؤنا، وشركاؤنا. في هذا الصدد تندرج أهمية هذا المنتدى الذي نأمل أن ييسر اطلاع زميلاتنا، في مجلس النواب، الممارسة الألمانية في مجال إدماج المرأة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وذلك في سياق الاطلاع على الممارسات الفضلى، في التشريع والتنظيم والسياسات العمومية الموجهة للنساء.

ولا أخفيكم، الزميلات والزملاء، أننا في المغرب جد مهتمين بالممارسة الألمانية في العديد من المجالات. وألمانيا في مخيال عدد من المغاربة ترتبط بالجودة والنجاعة والنجاح، والتسامح والإدماج. إننا مهتمون بنظامكم الجهوي المعزز للوحدة الوطنية، والمُيَسِّر لديموقراطية القرب، وبدور النساء فيه، بقدر اهتمامنا بسياسة ألمانيا في مجال البيئة.

وما من شك في أن هذا المنتدى، الذي ستليه بالتأكيد، منتديات أخرى سيكون دعامة أساسية للحوار المغربي، الألماني، ولتعزيز العلاقات السياسية والثقافية بين بلدينا، وإطاراً لاقتراح، ما يُسعف في تنويع هذه العلاقات وجعلها تتوجه إلى المستقبل في سياقات دولية وإقليمية متموجة، وأمام تحديات تُسائل كل القوى المحبة للعدل والتنمية والتقدم والسلم والتسامح. وأمام ازدهار خطابات التعصب، علينا أن نتشبث بالتعاون والتسامح والانفتاح.

ومامن شك في أن للمؤسسات التشريعية في بَلَدَيْنا دوراً حاسماً في هذا التوجه، وفي إخصاب المشترك بين شعبينا ومؤسساتهما، وما من شك أيضا في أن العلاقات البشرية والثقافية بين البلدين، والتي يعززها دور الجالية المغربية في ألمانيا، ودور المقاولات والمؤسسات الألمانية في المغرب، ستسعف في ترسيخ علاقات بلديْنِ بتقاسمان، فضلا عن المصالح والمنافع، قيماً إنسانيةً ومبادئ تؤطر سياساتها الخارجية إزاء العديد من القضايا الدولية والإقليمية والتحديات والظواهر.

أجدد الترحيب بكم وأشكركم على عناء التنقل من أجل المشاركة في هذا المنتدى.