السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة النواب،
الحضور الكرام،
نختتم الدورة التشريعية الثانية من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة. وهي مناسبة لوضع جرد، ولو سريع لحصيلة أشغالنا، ولكنها، بالأساس، مناسبة لاستكشاف سبل تطوير وتجويد أدائنا.
ويتزامن اختتام الدورة مع احتفال الشعب المغربي بعيد العرش الذي يخلد هذه السنة الذكرى الثامنة عشرة لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله عرش أسلافه المنعمين، والتي كانت مناسبة أكد فيها جلالته في الخطاب الذي وجهه بالمناسبة على أهمية ترصيد المكاسب الديمقراطية داعيا المؤسسات إلى ممارسة صلاحياتها وتفعيل الدستور.لقد كان الخطاب الملكي، خطاب الجرأة والتبصر والرؤية المستقبلية.
ويستدعي إلحاح جلالة الملك على تفعيل مقتضيات الدستور، وبالخصوص كل ما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، من الأفراد والمؤسسات، جميعا، الانخراط في أفق جديد من ممارسة المسؤولية بضمير صاح، وبوعي وطني يقظ، وبروح تطوعية وعلى أساس التفاعل الإيجابي بما يرقى إلى مستوى الانتظارات والتوقعات. وفي هذا الأفق تحديدا، نعرب عن تعبئتنا التلقائية، في مجلس النواب، وانخراطنا الكامل في تفعيل كافة آليات المحاسبة بما فيها محاسبة الذات، كلما اقتضى ذلك الواجب والمسؤولية القانونية والأخلاقية؛ والمحاسبة المؤسساتية التي ألح عليها، الخطاب الملكي السامي.
في إطار هذه الرؤية الملكية نحن مطالبون في مجلس النواب بجعل هذه المؤسسة مساهمة في ترسيخ الإصلاحات وتوطيد البناء المؤسساتي والاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وتمثيل المواطنين والتواصل معهم، وجعل المؤسسة أقرب إليهم.
لقد كانت هذه الدورة مثمرة بفضل مساهمة السيدات والسادة النواب وتعبئتهم الاستثنائية، و بفضل التعاون والتواصل والحوار الدائم والمثمر والبناء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. و هكذا، صادقنا على البرنامج الحكومي بعد نقاش غني مثمر، وحصلت الحكومة على التنصيب البرلماني، بعد ثقة وتعيين جلالة الملك لها. وتمكنا، في أعقاب ذلك مباشرة، من مناقشة القانون المالي والمصادقة عليه. وكان هذا الاستحقاق مرة أخرى مناسبة للحوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول اختياراتنا الاقتصادية والمالية ونجاعتها وآثارها الاجتماعية. وقد أثمر هذا النقاش قبول الحكومة لنسبة ما يناهز 40 % من التعديلات التي تقدم بها أعضاء المجلس على مشروع قانون المالية والبالغة 154 تعديلا، وهو ما أثرى القانون المالي ويشجع على تعزيز المساهمة البرلمانية في إغناء قوانين المالية وتجويدها.
وفي مجال التشريع دائما، يمكن اعتبار حصيلة الإنتاج هامة بالنظر إلى الزمن الذي استغرقته مناقشة القانون المالي. وهكذا صادق مجلس النواب على49مشروع قانون ومشروع قانون تنظيمي واحد يتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ما، أي أننا صادقنا على نسبة 71% من مشاريع النصوص المحالة على المجلس والبالغة 71 مشروعا منذ بداية السنة التشريعية.
وتغطي النصوص التشريعية التي صادقنا عليها، حقوقا وقطاعات وأنشطة وخدمات مختلفة من قبيل القضاء وتعزيز استقلاليته وصيانة حقوق الإنسان وتكريس المناصفة ومكافحة التمييز، وإحاطة حق الملكية بمزيد من الضمانات القانونية وتوفير الإطار القانوني لتطوير الاقتصاد الرقمي، وتوحيد الإطار المؤسساتي لتشجيع التصدير وجلب الاستثمارات الأجنبية، وترصيد وتكريس الحقوق الاجتماعية والتكريس الدستوري لدور ومكانة الشباب والجمعيات في المجتمع.
وقد حرصنا على أن يصادق المجلس على نظامه الداخلي المعدل، وهو نص ساهمت فيه مختلف مكونات لجنة النظام الداخلي، وصيغ على النحو الذي يلائم أحكام الدستور وبناء على التراكم، ويتوخى ويستحضر الانفتاح على المجتمع، وينص على العديد من آليات العمل ويستوعب خلاصات الممارسة البرلمانية الوطنية. ولا تخفى عليكم الأهمية الكبرى للنظام الداخلي بالنسبة لتيسير أعمالنا.
وهمت نسبة 71 %من مشاريع النصوص المصادق عليها الموافقة على اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف. وتكتسي مصادقة المجلس على هذا العدد الوافر من الاتفاقيات خاصة مع بلدان إفريقية شقيقة، ومن أجل الانضمام إلى المؤسسات الإفريقية، بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، (تكتسي هذه المصادقة) أهمية خاصة. فالأمر يتعلق باتفاقيات وقعت خلال زيارات جلالة الملك محمد السادس لهذه البلدان وتحت إشراف جلالته. والأمر يتعلق باتفاقيات من شأن تنفيذها المساهمة في تنويع وتعزيز علاقاتنا ومبادلاتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية والروحية مع هذه البلدان، وتيسير الاستثمارات المغربية فيها، وهو ما يشكل دعامة للسياسة الإفريقية الجديدة للمغرب التي يقودها ويسهر عليها جلالة الملك، وتحكمها رؤية استراتيجية مبنية على الشراكة والربح المشترك وإعمال اختيار التعاون والشراكة الصادقة جنوب-جنوب، بما يعزز انبثاق إفريقيا الجديدة الصاعدة.
وسيمكن التصديق على عدد من الاتفاقيات المتعلقة بالاتحاد الإفريقي بلادنا من الانضمام الى مؤسسات افريقية استراتيجية من قبيل برلمان عموم إفريقيا ومفوضية الأمن والسلم بالاتحاد، مع ما لهذا الانضمام من أهمية في الدفاع عن قضايانا وفي مساهمة المغرب في تطوير آليات عمل مؤسسات الاتحاد.
ولست في حاجة إلى التذكير بآثار كل ذلك على ترسيخ تموقع المغرب في الجغرافية السياسية القارية والدولية وانعكاساته الإيجابية على الدينامية الاقتصادية في بلادنا.
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب،
ينبغي لتفاؤلنا وتثميننا للحصيلة التشريعية أن يشكلا حوافز لتطوير المبادرة التشريعية التي مصدرها مجلس النواب كما و كيفا، علما بأن عدد مقترحات القوانين المحالة على المجلس منذ بداية الولاية الحالية يبلغ 35 مقترحا. وسنحرص على النهوض بالمبادرة التشريعية من جانب مؤسستنا باتخاذ عدد من الإجراءات منها ما ضمناه في النظام الداخلي.
وبجانب المجهود التشريعي المطلوب منا، فإننا مطالبون بتجسيد مفهوم برلمان القرب على مستوى التشريع ، والبرلمان القريب تشريعيا من المواطنين ينبغي أن يتجاوب، على نحو جدلي، مع الظواهر والقضايا والحاجيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبرلمان القرب ينبغي أن يتتبع ويراقب تنفيذ القوانين خصوصا من خلال مراقبة إصدار القوانين وبالأساس إصدار مراسيمها التطبيقية.
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب
في مجال مراقبة العمل الحكومي بلغ عدد الأسئلة 5357 منها 3426 سؤالا شفويا و1931 سؤالا كتابيا .
وبلغ عدد الجلسات العامة التي عقدها المجلس 34 جلسة موزعة بين جلسات للتشريع وأخرى لمراقبة العمل الحكومي والاستماع إلى تقارير المؤسسات الدستورية ومناقشتها، استغرقت أكثر من 74 ساعة من العمل.
وعقدت اللجان النيابية الدائمة 149 اجتماعا استغرقت 420 ساعة أي بمعدل اشتغال 52 يوما كاملا إذا احتسبنا 8 ساعات عمل في اليوم، و بمعدل حضور يتجاوز 70 في المائة.
ومن جهة أخرى تواصل مجموعة العمل المكلفة بتقييم السياسات العمومية اشتغالها حول موضوع الطرق بالمناطق الجبلية. ونتطلع الى أن تكون نتائج عملها مفيدة في تجويد السياسات والبرامج العمومية. و سواء تعلق الأمر بالموضوع الذي تشتغل عليه مجموعة العمل الموضوعاتية أو بالتقريرين اللذين توجا مهمة التقييم السابقة فإن الأهم والغاية، هي استثمار نتائج التقييم من أجل تصحيح الاختلالات واستدراك جوانب النقص، في كل سياسة عمومية تخضع للتقييم، وتجنب ارتكاب نفس الأخطاء عند التخطيط ووضع البرامج وعند التنفيذ. وتلك مسؤولية الحكومة والمصالح الخارجية اللامركزية والجماعات الترابية، ولكن أيضا مسؤولية البرلمان الذي عليه ممارسة مهامه في مساءلة الحكومة وممارسة اختصاصاته الرقابية انطلاقا مما وقف عليه من اختلالات عند التقييم.
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب،
حرصنا في مجال الدبلوماسية البرلمانية، أولا على تشكيل مجموعات الصداقة البرلمانية مع 140 برلمانا وطنيا لإدراكنا أهميتها في توطيد العلاقات مع البلدان التي تمثلها وفي تعزيز الثقة معها، كما شكلنا 15شعبة وطنية في المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف، بالإضافة إلى اللجنة البرلمانية المشتركة بين البرلمان المغربي والبرلمان الأوروبي.
وبالموازاة مع ذلك شارك مجلسنا واحتضن عددا من المؤتمرات والاجتماعات البرلمانية متعددة الأطراف الدولية والقارية والجهوية كان آخرها المؤتمر الخامس والعشرون الطارئ للاتحاد البرلماني العربي "دورة القدس" التي انعقدت بناء على دعوتنا بصفتنا رئيسا للاتحاد على إثر الإجراءات القمعية والعنصرية الإسرائيلية في المسجد الأقصى. وتوجت الدورة ببيان أدان السياسات الإسرائيلية وحدد مجموعة من الخطوات التي سينجزها الاتحاد لمواجهة سياسات الاحتلال. وكان المؤتمر مناسبة لتثمين الدور المركزي والحاسم والمواقف النبيلة والجريئة التي يتخذها جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس للحفاظ على الطابع العربي للقدس الشريف ودعم صمود أهلها وحماية المسجد الأقصى .
ولا تخفى عليكم أهمية ما ينجزه مجلس النواب في مجال الدبلوماسية البرلمانية تكاملا مع الدبلوماسية الرسمية وحشد الدعم لقضايا المغرب و دفاعا عن مصالحه الحيوية وفي مقدمتها الدفاع عن قضية الوحدة الترابية وتقوية حضوره النوعي الفاعل والمؤثر في منظومة الدبلوماسية البرلمانية التي أصبحت إطارا لإنضاج المواقف واستشراف الشراكات وتوطيد العلاقات حيث حرصنا على تفعيل مختلف آليات التعاون والحوار البرلماني على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف. وأود في هذا الصدد أن أثمن المساهمة الناضجة لأعضاء المجلس في هذا العمل دفاعا عن المصالح العليا لبلادنا وترسيخا لإشعاعها.
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب،
سيكون على مجلسنا الشروع في إعمال مقتضيات الفصلين 14 و15 من الدستور، المتعلقين بتلقي الملتمسات من أجل التشريع والعرائض. ومن أجل ذلك عملنا على إدراج مقتضيات تتعلق بإعمال هذين الفصلين في النظام الداخلي للمجلس بما يتلاءم والقانونين التنظيميين المتعلقين بشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات من أجل التشريع والعرائض. ولا يخفى عليكم أهمية هذا الإصلاح الدستوري والسياسي والمؤسساتي في إعمال الديمقراطية التشاركية وتيسير مشاركة المواطنين في مقاربة الشأن العام.
إن الأمر يتعلق بورش هام يقع في قلب الإصلاح الدستوري الذي اعتمدته بلادنا في 2011، إذ أن ممارسة هذا الحق يساهم في تعزيز الديمقراطية بتمكين المواطن من المشاركة في القرارات المتخذة مركزيا ومحليا مما يعزز الثقة في المؤسسات ويزيد من اقتدارها لدى المواطن.
وفضلا عن ذلك فإن ممارسة هذا الحق تساهم في تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه الدستور وشدد جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2017 على ضرورة تطبيقه بصرامة .
ومن أجل تيسير تفاعل المجلس مع إعمال هذا الحق نعمل في إطار أحد برامج التعاون الدولي على إحداث القاعدة المعلوماتية لتلقي ومعالجة العرائض والملتمسات بما لذلك من ربح رهان الديمقراطية التشاركية.
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب،
تشكل هذه الجلسة مناسبة لتجديد الدعوة الى التعبئة الجماعية لأعضاء المجلس من أجل جعل المؤسسة رافدا مؤسساتيا لتعزيز الدينامية الإصلاحية التي تميز بلادنا وإعمال الدستور والارتقاء الى مستوى الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي اعتمدها، ويعتمدها، المغرب والتي ينبغي أن تنتج سياسات يلمس المواطن ثمارها.
إننا نأمل، بل سنحرص على أن تشكل السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة، سنة تجسيد برلمان القرب والتفاعل الإيجابي مع انتظارات المجتمع ومع الذي يشغله تشريعا ومراقبة وتمثيلا للمواطنين وعملا في الواجهة الخارجية، سنة إعطاء نفس جديد للعمل البرلماني مساهمة في تعزيز الإصلاحات التي تراكمها بلادنا بتدرج وبثبات والتي ينبغي أن تنتج الوَقْعَ الضروري على الحياة اليومية للمواطنين.
تلك مسؤولية كل واحدة وكل واحد منا، ومسؤولية أجهزة المجلس مكتبا ولجانا دائمة، والتي أشكر أعضاءها على تجندهم لإنجاح هذه الدورة، ومسؤولية رؤساء الفرق والمجموعة النيابية وجميع السيدات والسادة النواب الذين أثني على تعبئتهم ومساهمتهم البناءة في تيسير أعمال المجلس وإثرائها، والشكر موصول إلى كافة العاملات والعاملين بإدارة المجلس وإلى العاملين في وسائل الإعلام من تقنيين ومصورين وصحفيين على مواكبتهم لأشغالنا.
أعاننا الله لما فيه خير بلادنا وتنميتها واقتدارها وتقدمها تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.