Pasar al contenido principal

كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب رئيس الاتحاد البرلماني العربي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس والعشرين الطارئ للاتحاد

27/07/2017

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

السيد رئيس مجلس المستشارين،

السادة الرؤساء،

السيد رئيس البرلمان العربي،

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود الشقيقة،

السيدات والسادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي،

السيدات والسادة البرلمانيين،

 

مرة أخرى يعقد الاتحاد البرلماني العربي مؤتمرا طارئا  على أرض المملكة المغربية، هنا في الرباط بمقر البرلمان، ويلتم شمل الأشقاء رؤساء وأعضاء الشعب البرلمانية العربية في وطنهم الثاني الذي يفتح لهم الأذرع والأحضان سعيدا مرحبا بهم جميعا بما يقتضيه الواجب من شكر وتقدير وامتنان لحضورهم، واستجابتهم لدعوة الاتحاد البرلماني العربي ودعوة برلمان المملكة المغربية، وذلك من أجل انشغال جديد، بل قديم يتجدد بالعنف نفسه، والغطرسة نفسها، ودائما في فلسطين المحتلة وفي الفضاء الروحي والديني والرمزي لأمتنا العربية والإسلامية، في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى تحديدا.

            وتشاء الظروف، مرة أخرى، أن يجتمع ممثلو الأمة العربية ونوابها وضمائرها في المغرب. ففي سنة 1969، في إثر حرق المسجد الأقصى المبارك، اجتمع قادة الدول الإسلامية في المغرب في إطار أول قمة إسلامية. وفي سنة 1974، انعقد على أرض المغرب مؤتمر القمة العربي الذي كرس واعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وتكررت اللقاءات والمؤتمرات العربية والإسلامية التي احتضنتها بلادنا والتي خصصت على الدوام مكانة لائقة واتخذت مواقف أساسية لدعم الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، وفي كفاحه الوطني المشروع، وفي أفق نضاله الإنساني الحر، المجيد والبطولي في تضحياته وملاحمه.

            إن احتضان الرباط اليوم لمؤتمرنا، نحن ممثلو الشعوب العربية لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ، ليس إلا حلقة في مسار ومسلسل الدعم الذي جسده المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره  الله رئيس لجنة القدس، على الدوام في دعم كفاح الشعب الفلسطيني وبالتحديد الدفاع عن القدس الشريف. فعلى خطى والده جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، يواصل جلالته دعم صمود أهل القدس وصيانة معالمها ودعم تمدرس أبنائها خاصة من خلال صندوق بيت مال القدس، المدينة التي للمغاربة فيها تاريخ، وأسوار وأبواب وأحاسيس، ويرتبطون بها بالأسماء والمحطات والروابط التاريخية .

وقد جسدت  الرسالة القوية التي بعث بها جلالته، بصفته رئيسا للجنة القدس، يوم أمس، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المواقف الثابتة لجلالته والصارمة من هذه الانتهاكات إذ أكد أن "هذه الإجراءات غير الشرعية تمس كرامة المقدسيين، وتستفز مشاعر كل الفلسطينيين، وقد تؤدي إلى غضب عارم، وردة فعل شعبية عامة، وتعقيد الوضع في الأراضي الفلسطينية. كما تمثل هذه الإجراءات استفزازا واضحا لمشاعر كل العرب والمسلمين والأحرار في العالم، وعاملا لإثارة النزعات المتطرفة التي تدفع نحو مزيد من الاحتقان والتوتر والعنف في المنطقة برمتها"

            نلتقي اليوم، الزملاء الأعزاء أصحاب السعادة، أخواتي إخواني، على خلفية الهجمة الجديدة للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الصامد الصابر، وعلى حق بناته وأبنائه في العبادة وممارسة شعائرهم الدينية داخل المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وذلك في تجاهل آخر جديد للشرعية الدولية، وللقوانين والمواثيق والعهود الدولية، و في وجه آخر من العبث بالمبادئ والقيم والأخلاق الإنسانية.

            والاتحاد البرلماني العربي إذ يعقد مؤتمره الخامس والعشرين هذا، في دورة طارئة، دورة القدس، تجاوبا مع ظروف وشروط وأسباب طارئة، فليس لكي يجتمع فقط لإلقاء الخطب وإصدار بيان استنكار شديد اللهجة، ثم ينفض أعضاؤه عائدين إلى بلدانهم، وإنما نحن هنا لنتخذ قرارات ترتبط بدورنا ووضعنا الاعتباري كبرلمانيين وكممثلين لشعوبنا، وتضعنا في موقع السؤال والمساءلة عما أنجزناه وما ينبغي أن ننجزه دفاعا عن المسجد الأقصى، وحماية للقدس الشريف، وتحصينا لمكاسب قضيتنا الفلسطينية التي نعتبرها جميعا قضيتنا العربية الأولى. ونحن عندما نقوم بذلك، إنما ندافع عن الحق وعن العدالة والمشروعية ونقف ضد الظلم.

الزملاء والزميلات،

السيدات والسادة،

            إن هناك إرادة إسرائيلية ملموسة تستهدف، بكل هذه الإجراءات الأمنية والقمعية والتقنية والإدارية والقانونية التحكمية، تغيير الوضع القائم في القدس في أجندة مكشوفة مستهترة بالشعب الفلسطيني، وبالقانون الدولي في أفق لن يقود المنطقة سوى إلى حرب دينية كارثية لا قدر الله، قد تأتي على الأخضر واليابس، وتحيي كل أسباب الحقد والميز الذي اعتقدت الإنسانية أنها قضت عليه حين قضت عليه في جنوب القارة الإفريقية. والحكومة اليمينية الإسرائيلية عندما تراكم إجراءاتها التعسفية في القدس إنما تضيف إلى "الصراع على الحاضر صراعا على الماضي بمحو الحدود بين ما هو تاريخي وما هو خرافي" كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش .

            ولكن منطق التاريخ يقول أنه لا يعقل، ولا يقبل فرض الأمر الواقع على هذا النحو. ولا يمكن لدولة أن تترك طليقة اليد بهذه النزعة العسكرية الدموية التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية لا ينبغي أن تفلت من العقاب.

            لقد سرقت دولة إسرائيل وطنا من شعبه وأهله، وسرقت تاريخا لشعب حقيقي، وذلك بقلب الرواية واختلاق الرواة، مازالت تسرق الأرض من مزارعيها، والبيوت الآمنة من سكانها ؛ ومازالت توسع مساحات الاستيطان، وتحاصر شعبا أعزل في غزة والضفة الغربية، وتسرق المياه الفلسطينية، وتقتلع الشجر وتدمر الحجر، وتقتل كل أسباب الأمل في تحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي الفضاء المتوسطي.

وكما أكد جلالة الملك محمد السادس في رسالته إلى الأمين العام الأممي فإنه "في كل مرة تلوح فيها بوادر فرصة لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، تلجأ هذه الأخيرة إلى افتعال أحداث، وخلق توترات لإجهاضها. وهذا ما تأكد من جديد، من خلال ردها بنفس الطريقة والأسلوب، على الجهود الإقليمية والدولية، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استشعر من خلالها المجتمع الدولي بوجود مناخ إيجابي، من شأنه نقل الصـراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مراحل متقدمة من التسوية" .

و مقابل هذه الغطرسة الاسرائيلية ما الذي يريده إخواننا الفلسطينيون في النهاية ؟

            لقد تخلوا عن الكثير من حقوقهم التاريخية وأحلامهم المشروعة وخرائطهم الشرعية القديمة، وعدلوا، واعتدلوا، ولم يعد أمامهم وفي أفقهم النضالي والمطلبي القانوني الشرعي سوى حقهم في الاستقلال وبناء دولتهم الوطنية المستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بمسجدها الأقصى وقبة الصخرة ومسجد القبلة والمصلى المرواني وغيرها، وذلك طبقا لمقتضيات الشرعية الدولية والاتفاقات الضامنة لحرية التعبد والممارسة الحرة للعقائد والديانات السماوية السمحة.

            لقد بات العالم المعاصر أكثر إدراكا للسياسة الإسرائيلية، وللرواية الإسرائيلية المضللة، وللآلة الإسرائيلية العسكرية والأمنية والإدارية والإعلامية، التي ترفض حقيقة الواقع وحقائق التاريخ، وترفض حقيقة وجود شعب فلسطيني له الحق، كل الحق، في الوجود والكرامة والحرية والعبادة والحق في الأمل وفي الحلم بالمستقبل. وكما يقول الكاتب الأمريكي بول أوستير Paul Auster)ذو الديانة اليهودية كما نعلم) : " بالطبع لكل بلد مشكلاته، ولكن ما من بلد آخر شعر بأن وجوده نفسه مهدد وأن الزوال احتمال واضح. إن الخوف يعمي أعين الإسرائيليين وينسيهم أنهم القوة العسكرية الكبرى الوحيدة في المنطقة. الخوف يجعلهم مهووسين بأنفسهم ومعزولين عن بقية العالم".     

            إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية بجوارها، ولقد حاولت دائما أن تقنع العالم بأن لا حاجة إلى دولة إضافية في المنطقة، فرفضت حل الدولتين، ومن ثم قال الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في إحدى عباراته التي أصبح لها تاريخ بأن الأمر لا يتعلق بدولة إضافية بل على العكس : إن هناك دولة ناقصة ينبغي أن يسهل العالم المعاصر، العالم المتحضر أسباب قيامها، وهي دولة فلسطين.

            وعلينا في مواجهة هذه الغطرسة التي تمارسها الحكومة اليمينية الإسرائيلية  أن نعترف، بأننا نعيش حالة مؤسفة من العطب التاريخي والفكري بكل تداعياته وامتداداته السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية.

ولكن كل هذا لا ينبغي ان يجعل الاحتلال يغتر ويتمادى في الاستفراد بالشعب الفلسطيني، إذ مازال لدى الإنسان العربي الحس الحي الذي يجعله يثور دفاعا عن كرامته، وعن عرضه، وعن شرفه. ولقد شاهدنا نماذج أسطورية في معارك إخواننا الفلسطينيين الأخيرة دفاعا عن المسجد الأقصى وعن حقهم في العبادة بحرية، مما يبعث على الإعجاب والإكبار، وما يعيد الأمل إلى النفوس في أننا إذا ما أوذينا يتحرك في أعماقنا، وفي دمنا، وفي إرادتنا الحافز القوي لرد الأذى. فتحية إكبار وإجلال إلى أهالي القدس المرابطين دفاعا عن الأراضي وعن المقدسات والرموز، متشبثين بحقوق تاريخية غير قابلة للتصرف.

وبقدر ما يزداد الأذى الإسرائيلي، ستزداد حالة الرفض والاستياء والغضب واليأس التي تجعل المرء في وضع من لم يعد له ما يخسره. فإسرائيل لا يمكنها مطلقا أن تنعم بالأمن والسلم والاستقرار فقط لأنها أحاطت نفسها بجدار إسمنتي عال مكهرب أو بالأسلحة والقوات العسكرية والأمنية. إنها تعرف، وينبغي أن تعرف أن الأمن الحقيقي، والاستقرار الحقيقي لابد لهما من شرط وحيد لا محيد عنه مطلقا، وهو حل الدولتين. ولن يتحقق ذلك سوى بحل عادل منصف لقضية الشعب الفلسطيني، حل مفتاحه الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى ديارهم.

لقد أظهرت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة مرة أخرى، أن إسرائيل لا تؤمن بالسلام، ولا ترغب في السلام، وترفض كافة آليات السلام وفي مقدمتها الانخراط في مفاوضات جدية موضوعية نزيهة. ولقد رفضت جميع مبادرات السلام العربية ومقترحات السلام الدولية، وعرقلت كل خطوة نحو السلام، وكل تفاوض، وكل حوار.

 بكل بساطة إن إسرائيل "تفضل أن تعيش الشقاء الذي خلقته"، بتعبير  كاتب عالمي حائز على جائزة نوبل. و لكن هل معنى هذا أن علينا كعرب أن نقبل بحتمية هذا الأمر الواقع ؟ أو كما يقترح علينا البعض : هل علينا أن نقبل بشيء اسمه الهزيمة، وأن نتقبله "تقبلا بناء" بدلا من رد الأذى وتغذية أحلام الانتقام بغد قد تحدث فيه معجزة أم على العكس، لا بد من الرد الفعلي الملموس على أساس عقلاني مؤمن بمستقبل للصراع، وذلك بأدوات المقاومة المشروعة المكفولة بالقانون الدولي والمقاومة السياسية والدبلوماسية والقانونية ، وبالشرعية الدولية، وبضغط الرأي العام الدولي وأحرار العالم والضمائر الشريفة الحية المؤثرة حتى داخل إسرائيل ذاتها،وهو أمر ممكن بالنسبة للمؤمنين بالتاريخ والمطلعين على التجارب التاريخية لكثير من الأمم  والشعوب.

وما من شك في أن ذلك يتطلب منا كأمة عربية روحا جديدة تخرجنا من هذه الحالة التي نحن فيها، نحتاج إلى فكر سياسي مستنير، قوي، جديد يمكنه أن يترجم في سياسات ذات بعد استراتيجي واقعي ملموس متجه صوب المستقبل ومؤمن بالأجيال وبالتراكم.

            إن الذين ما زالوا يراهنون على الماضي أو على زرع ماض جديد في عقولنا، وفي إرادتنا، وفي برامجنا وخططنا ومواقفنا، لا يمكنهم أن يؤثروا في الحاضر  ولا أن يصنعوا المستقبل العربي المنشود.

        إن هذا التوجه الى الذات، لا، ولن ينسينا أن الظلم التاريخي الذي كان الشعب الفلسطيني ضحيته، لا بد له من نهاية إعمالا لمنطق التاريخ والشرعية الدولية.

            وختاما، أجدد الترحيب بكم جميعا باسم كافة أعضاء البرلمان المغربي، وأؤكد من موقعي كرئيس للاتحاد البرلماني العربي بأنني رهن إشارتكم لبلورة وإعمال القرارات القوية المؤثرة التي من شأنها أن تسهم – في تكامل مع  قرارات ومبادرات عربية وإسلامية ودولية حكيمة – في الضغط على إسرائيل كي تتراجع عن غيها وسطوتها وطغيانها.

            إن علينا كبرلمانيين عرب مؤمنين حقا بعروبة فلسطين، وبالوشائج التي تربط القضية الفلسطينية بوجودنا العربي، أن نسعى لدى شركائنا وحلفائنا وأصدقائنا وزملائنا البرلمانيين في مختلف البرلمانات، وفي كافة المحافل والمنتديات الجهوية والدولية، إلى تمكين شعبنا العربي الفلسطيني من حقوقه، ويعود المسجد الأقصى إلى حالته الطبيعية ووضعه السابق الذي يكفله القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة.

            وأعبر لكم – السادة الرؤساء ورؤساء الوفود الشقيقة – عن صادق التزامي بالعمل من أجل تحصين الحقوق العربية والحفاظ على جذوة الأمل متقدة في النفوس وعلى الوضع الاعتباري اللائق للقضية الفلسطينية بكل أبعادها، وضمنها قضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، كقضية وطنية حاضرة في كل الأجندات العربية بدون استثناء.

 

            شكرا على إنصاتكم الكريم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.