Pasar al contenido principal

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط ورئيس مجلس النواب في قمة برلمانية رفيعة المستوى حول التحولات البيئية في المنطقة المتوسطية

15/10/2015

 السادة الرؤساء والزملاء الأعزاء

السيد الوزيرة 

السيد الأمين العام

السيدة رئيسة مؤسسة آناليد

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة

أَودُّ في البداية أن أُثني على هذه المبادرة الخلاَّقة والاستباقية التي اشتركنا في إطلاقها والمتمثلة في الدعوة إلى عقد قمة برلمانية حول الرهانات المناخية والبيئية في المنطقة الأورومتوسطية، والتي تسبق المؤتمر الدولي حول المناخ COP21التي ستحتضنها مدينة الأنوار، التي لم تتوان كعاصمة سياسيةفي أخذ المبادرة في المراحل الصعبة التي يجتازها المجتمع الدولي، وذلك بهدف إبداع الحلولِ والقراراتِ في قضايا تَرْهَنُمستقبلَ المجتمع الدولي.

السيدات والسادة

لاشك أن قيمة ورمزية هذه القمة البرلمانية تكتسي أهمية بالغة، إذ أنها تنعقد قبل أقل من شهرين من مؤتمر الأطراف حول المناخ الذي ستحتضنه باريس، وهي تجمعُ البرلمانيين، أي المشرعين، ولكن أيضا الموكول إليهم مراقبة السياسات العموميةالوطنية في مجال البيئة، وهي تُشْرِكُ أيضا المجتمع المدني باعتباره فاعلا أساسيا في العلاقات الدولية، كما في المجتمعات الوطنية، وباعتباره صوتا يُنَدِّدُ بِالسياسات الـمُضرة بالبيئة وبالتالي بمستقبل البشرية.

ولئن كانت المعضلات (البيئية في المنطقة الأرومتوسطية،خطيرة ومُهدِّدة للتنمية ولمستقبل المنطقة، فإنها تتفاقم وتتعقد وتزداد حِدَّة عندما تتشابك مع عوامل وسياقات أخرى  اقتصادية وجيوستراتيجية وسوسيو – ثقافية.

وهكذا نواجه في المنطقة الأورومتوسطية العديد من التحديات المشتركة الأخرى ليس أقلها خطورة ظاهرة الارهاب الـمُعَوْلَمِ والعابر للحدود، والتدفقات الهجروية حيث سجلت خلال السنة الجارية معدلات نُزوحَ، ربما لم تشهدها المنطقة منذ الحرب الكونية الثانية من جنوب وشرق المتوسط إلى أوربا، حيث يبحث آلاف الأشخاص عن الأمن والسلم وسبل البقاء والأكل والشرب والإيواء والشغل : إنهم، باختصار، يبحثون عن الحد الأدنى من الكرامة،التي فقدوها في بلدان انهارت فيها الدولة وانتشر فيها العنف.ولحق فيها الدمار كل شيء.

وفي سياق هذه الأوضاع المتسمة بالفوضى في أكثر من رقعة في الحوض المتوسطي تتنامى وتتوسع شبكات الاتجار في الممنوعات من الاتجار في البشر إلى الاتجار في الأسلحة والمخدرات والآثار النفيسة.

هكذا تحولت منطقة حوض المتوسط : مهد الحضارات الإنسانية الكبرى والديانات التوحيدية والأنظمة الأخلاقية الكبرى،ومن حيث انطلق المغامرون لاكتشاف واستكشاف عوالم جديدة،إلى حوض يحتضن كل عوامل التوتر من خلال العديد من النزاعات المسلحة، والخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة. أَلَسْنَا في هذا الوضع أمام تراجع حضاري خطير وأمام تدمير أرصدة تاريخية ؟ 
ألسنا بصدد متابعة مشاهد مصادرة المستقبل وتقويض للاستقرار ؟

إنها التراجيديا الحقيقية التي ينبغي أن تستنفر ضمائرنا جميعا.

إننا في قضية التنمية والديمقراطية والهجرة والسلم والاستقرار، أما مسؤوليات مشتركة responsabilitéspartagées.

لقد أدرك شركاؤنا الأوروبيون، أن الأمن والرخاء والازدهار،ينبغي أن يكون مشتركاً وإلا سيظل معرضاً للتهديد في قلب القارة الأوربية بحد ذاتها.

ولكن علينا جميعا أن نُدْرِكَ أن السياسات المعتمدة إلى حدود اليوم، غير كافية، وأننا في حاجة إلى مزيد من الجرأة وإلى التحلي بشجاعة أكبر في اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن عدد من القضايا التي تنتج أو تبرر، أو هي في أصل استدامة الفظاعاتالتي تعيشها عدد من بلدان المنطقة.

إننا في حاجة في الدرجة الأولى إلى التصدي لأصول الشروجذور المعضلات، أي احتلال أراضي الغير والاستهتار بالقيم الانسانية.

إن التراجيديا والإهانات التي قل نظيرها التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 60 عاما في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، تسائلنا جميعا وتطرح علينا سؤال مسؤولياتنا السياسية والأخلاقية والتاريخية، في إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقوقه.

وليست ممارسات سلطات الاحتلال الاسرائيلي في هذه الأيام في القدس، إلا حلقة في مسلسل الإهانة والاستفزاز والخرق السافر لحقوق الإنسان.

إن أوروبا، بكل ثقلها التاريخي والسياسي والاستراتيجي مدعوة إلى التدخل العاجل من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من دولة وانهاء الاحتلال لأراضيه ووضع حد للظلم التاريخي الذي تعرض له.

 

السيدات والسادة

تنضاف هذه المخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة الأورومتوسطية إلى التحديات المناخية والبيئية وتدهور المحيط البيئي جراء ممارسات وسياسات تراكمت على مدى عشرات السنين، حيث سوء تدبير الموارد الطبيعية، واستنزاف المجالات الغابوية وتلويت الموارد المائية وسوء استعمالها.

ومما يفاقم هذه الأوضاع ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتوالي مواسم الجفاف واستنزاف التربة وزحف التصحر مما يطرح إشكالات حقيقية ومعضلات كبرى في ما يخص ضمان الغذاء لفئات واسعة من شعوب المنطقة.

وإذا كان شح المياه من المعضلات البنيوية في جنوب وشرق المتوسط، فإن سوء توزيعه وتلويثه يطرح سؤال البقاء والحياة في مناطق شاسعة من منطقة المتوسط.

وفيما كانت منطقة الحوض المتوسطي مهدا للزراعة، والغابات الواسعة، أصبحت اليوم مقبرة للنفايات بمختلف أشكالها السائلة والصلبة والغازية حتى تحول المتوسط إلى البحيرة الأكثر تلوثا.

وإذا كان التقييم التقني للأوضاع البيئية مشروعاً للخبراء المتخصصين، فإن مسؤوليتنا كسياسيين تقتضي اعتماد سياسات عمومية وإجراءات عاجلة للحد من تدهور البيئة والمناخ، وسن التشريعات الضرورية لزجر ومنع الأعمال والسلوكات الملوثة من جانب كافة الملوثين صغارا كانوا أم كبارا.

إننا أيها السيدات والسادة أمام مسؤولية تاريخية وأمام تحدي حقوقي والتزام من أجل الأجيال المقبلة التي علينا أن نورثها بيئة نظيفة تُيَسِّرُ الحياةَ. فقد بات الحق في البيئة النظيفة وفي الماء والهواء النقي وفي محيط نظيف وأخضر من الحقوق الاساسية التي ينبغي أن يتمتع بها الانسان، الذي ينبغي أن تضمن له تنمية مستدامة مسؤولة.

إننا مطالبون باعتماد سياسات وتشريعات للتحول إلى الاقتصاد الأخضر واستغلال ماتتيحه التكنولوجيا المعاصرة لتحقيق هذا الهدف، كما أننا مطالبون بأن نعطي المثال ونكون نموذجا للأجيال الصاعدة في ما يرجع إلى احترام البيئة.

السيدات والسادة،

تعتبر المنطقة الأرومتوسطية، ويَالَهَا من مفارقة، المنطقة التي تجذب أكبر عدد من السياح والزوار، لأنها أرض استقبال Une terre d’accueil ولأنها مهد الحضارات والآثار، إلا أن هذه النعمة تتسبب في استغلال مفرط للمياه، وفي انتاج مفرط للنفايات،لذلك ينبغي تطوير السياحة الخضراء والطبيعية والنظيفة والمسؤولة والتضامنية.

ولاشك أن هذا الإِجهادَ سيزداد، بفعل الحركات الهجروية إلى الحوض الأورومتوسطي من مناطق جغرافية قريبة من المنطقة أو حتى من مناطق بعيدة عنها. فالحروب والفقر والاستبداد والجهل عوامل تدفع آلاف الشباب إلى البحث عن حياة أفضل وكريمة في مناطق الرخاء، كما الفوضى التي تعيشها عدة بلدان في المنطقة لاتُيَسِّرُ الحفاظ على البيئة ووضعَ وإِعْمَالِ القوانين الضرورية لذلك.

واستدراكا لذلك نحن مطالبون باعتماد خطط دولية وإقليمية في إطار مخطط دولي استراتيجي من أجل البيئة، واستعمالذكاءنا الجماعي حتى يتَمَفْصَلَ هذا الهدفُ مع أهداف الدمقرطة والسلم والاستقرار. 

في هذا الصدد، لا يسعني إلا أن أستحضر ببالغ التقديرالنداء الذي وقعه وأطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الشَّهْرَ الماضي من طنجة والذي حمل عنوان "نداء طنجة من أجل المناخ" وهو إلتزامودعوة لإنجاح القمة العالمية حول المناخ  التي تحتضنها باريس قريبا والقمة التي تليها في 2016 التي سيحتضنها المغرب.

في هذا الصدد أيضا لابد أن أذكر بجهود وسياسة بلدي من أجل البيئة، وخاصة سَعْي المملكة المغربية إلى اعتماد واستعمال الطاقة النظيفة كمُكَوِّنٍ في الاقتصاد الأخضر إذ ننجز مشاريع استراتيجية لانتاج الطاقة الشمسية والريحية باعتمادات مالية ضخمة ولكنها مفيدة للبشرية.

ولن يفوتني أيضا أن أذكر بالمشاريع التضامنية التي يدعمها المغرب، من خلال عدد من المؤسسات الوطنية وخاصة المكتب الشريف للفوسفاط من أجل تطوير الزراعة في افريقيا وتوفير الغذاء وتيسير الدينامية الاقتصادية في القارة.

تلكم السيدات والسادة، بعض القضايا التي وددت أن أتقاسمها معكم وسط هذا الحضور المتنوع الذي يعكس مركزية المسألة البيئية في السياسات الوطنية والدولية وحجم الرهانات التي تطرحها.

شكرا على حسن تتبعكم ومتمنياتي لأشغال هذا اللقاء بكامل التوفيق والنجاح.

 

  وشكرا