بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد رئيس الحكومة
السيدات والسادة الوزراء المحترمين
السيدات والسادة النواب المحترمين،
نختتم اليوم أشغال الدورة الثانية من السنة التشريعية الرابعة من عمر هذه الولاية التشريعية في سياق وطني خاص يرتبط أساسا باستعداد بلادنا لتمرين ديمقراطي جديد، سيبدأ بعدد من الاستحقاقات الانتخابية قبل أن يتوج بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين.
يقتضي المقام ان نستحضر ما تحقق خلال هذه الفترة على مستوى ترسيخ الوضعية الاعتبارية للنساء ودعم دورهن في مختلف المجالات، متمثلين في ذلك التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في افتتاح دورة اكتوبر للسنة الماضية، وكذا الالتفاتة الكريمة لجلالته اتجاه المرأة المغربية، حيث قام حفظه الله مباشرة بعد انتهاء خطاب الافتتاح بأخذ صورة تذكارية مع عدد من النساء البرلمانيات المحترمات بتزامن مع اليوم الوطني للمرأة في إشارة لها دلالتها الرمزية القوية البالغة.
وتأكيدا على هذا النهج الذي اختارته بلادنا في بناء المنظومة الحقوقية والرفع من مكانة المرأة، وانسجاما مع روح الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس ولا سيما الفصل 49 منه، تم تشكيل مجموعة العمل المكلفة بقضايا المساواة والمناصفة .
كما شكلت مصادقة المجلس على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، لحظة رفيعة تؤكد مرة أخرى انخراط بلادنا الصادق والإرادي في المنظومة الدولية لحقوق الانسان وخصوصا في المجالات الداعمة لوضعيات النساء، وضمان حقوقهن.
وفي هذا السياق تحديدا أود أن أثمن عاليا المجهودات المبذولة من قبل الجميع برلمانا وحكومة لتعزيز الحضور النسائي في الانتخابات المقبلة حيث ستنتقل نسبة التمثيلية من نسبة 12 %الى 27%، وهو ما يشكل إنجازا مهما سيجعل بلادنا منخرطة بصورة أوسع في مسلسل التحديث والدمقرطة والمشاركة السياسية بما يساهم في تعزيز المكانة الاعتبارية للمرأة المنتخبة ويقوي ولوجها الى المؤسسات الساهرة على تدبير الشأن العام، وصناعة القرار المحلي.
واسمحوا لي في هذا الصدد، أن أعبر عن بالغ شكري وامتناني لكافة السيدات والسادة النواب والسيدات والسادة أعضاء المكتب ورؤساء الفرق واللجان النيابية على روحهم الايجابية وتفاعلهم الخلاق والمثمر لكي تكون المؤسسة النيابية في قلب التحولات الكبرى التي تعيشها بلادنا وأوراشها الهيكلية والإصلاحية، المكرسة لنموذجها الديمقراطي باعتباره نموذجا موفقا وناجحا على المستوىين الاقليمي والقاري .
حضرات السيدات والسادة
كما تتبعتم جميعا فإن الانشطة النيابية التي عرفها المجلس طيلة هذه الدورة أسفرت عن حصيلة ايجابية ومشرفة للمجلس ومكوناته السياسية لا شك أنكم تدركون قيمتها النوعية واسهامها في تعميق تراكمات المؤسسة البرلمانية ومنجزاتها التي حققتها على امتداد الولايات التشريعية الماضية.
وهكذا، فقد تمت المصادقة على ستة وأربعين (46) نصّاً من بينها سبعةُ (7) مشاريعِ قوانينَ تنظِيمِيَّةٍ، وكذا مشروعِ القانونِ التنظيمي المتعلقِ بالقانون التنظيمي لقانون المالية ترتيبا للآثار القانونية لقرار المجلس الدستوري، و أربعةِ (4) مقترحاتِ قوانينَ.
وضمن هذه الحصيلة الإجمالية، فإننا نسجل بكل اعتزاز التفاعل الايجابي للسيدات والسادة النواب مع القوانين التنظيمية المعروضة على المجلس، وكذا المجهود النوعي الذي تم القيام به في دراستها ومناقشتها والمصادقة عليها.
وإننا داخل مؤسستنا النيابية لمعتزون بمصادقتنا على مجموعة من القوانين التنظيمية المنظمة والمؤطرة للجماعات الترابية بمستوياتها المختلفة، وذلك لكونها تعد أحد الدعائم الاساسية للاوراش الهيكلية والإصلاحية التي فتحتها بلادنا على مستوى تعزيز تجربة ومسار الجماعات الترابية، وإغناء مكتسباتها ومنجزاتها في أفق إرساء نظام لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.
كما نسجل بإيجاب مصادقة المجلس على مجموعة من القوانين التنظيمية التي تهم الأحزاب السياسية، وانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، ومجلس المستشارين، تمهيدا لإجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
أما على المستوى الرقابي، فإننا نعبر عن ارتياحنا للدينامية المهمة والمتواصلة للمجلس خلال هذه الدورة، والمجهودات الحثيثة والروح الايجابية لجميع مكونات مؤسستنا النيابية، ومساهمتها في تفعيل مختلف الاليات الرقابية انسجاما مع الدستور الجديد الذي وسع من صلاحيات المجلس في مجال المراقبة،و تماشيا مع الممارسات البرلمانية على الصعيد العالمي التي تعمق من دور البرلمان وتعزز وظيفته في المراقبة والتتبع والتقييم.
وفي هذا الإطار، واصل المجلس ممارسة وظيفته الرقابية عبر الاسئلة حيث حرصنا جميعا أن تشكل الية لحوار مفتوح وبناء ومسؤول ومتعدد الأصوات حول تدبير السياسات العمومية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، والقضايا الكبرى والآنية للشعب المغربي واهتمامات المجتمع وقضاياه وأسئلته وانشغالاته .
وفي هذا الصدد، تم تنظيم مجموعة من الجلسات التي خصصت لأجوبة رئيس الحكومة على أسئلة السيدات والسادة النواب في مجال السياسة العامة.
كما تم عقد 13 جلسة للأسئلة الشفوية تمت خلالها الاجابة عن 333 سؤالا من ضمنها 36 سؤالا آنيا.
أما على مستوى الاسئلة الكتابية فقد تم طرح 1105 سؤالا كتابيا خلال هذه الدورة، كما أجابت الحكومة على 2151 من ضمنها أجوبة على اسئلة مطروحة خلال الدورات السابقة.
وتفعيلا لمقتضيات المادة 199 من النظام الداخلي للمجلس، عرفت هذه الدورة مواصلة المجلس لجرد تعهدات الحكومة خلال أجوبتها .
كما شهدت هذه الفترة من عمر هذه الولاية التشريعية العديد من الوقائع والمستجدات الوطنية التي تصدرت المشهد السياسي الوطني والتي كان لها وقع بالغ على متابعة الرأي العام الوطني ومنابره الاعلامية الحية، هذه الأحداث جعلت اللجان النيابية الدائمة المختصة تتفاعل معها بكل ايجابية ومسؤولية فمارست وظيفتها الدستورية باستدعاء الوزراء والمسؤولين المعنيين للوقوف على حيثيات تلك الاحداث والقضايا وتداعياتها وتفاصيلها .
وفي نطاق تكريس علاقات التعاون المشترك بين مجلس النواب والمجلس الاعلى للحسابات والتي تشمل العديد من الانشطة البرلمانية وفقا لما ينص عليه الدستور، فقد شهدت هذه الدورة عقد جلسة مشتركة للبرلمان بمجلسيه قدم خلالها السيد الرئيس الاول للمجلس الاعلى للحسابات عرضا عن أعمال المجلس الاعلى.
حضرات السيدات والسادة
لقد حظيت الديبلوماسية البرلمانية بحيز وافر من انشطة المجلس خلال هذه الدورة، وجسدت مرة أخرى الارادة الثابتة للمؤسسة النيابية في تمتين اواصر الصداقة والتعاون والتفاهم مع برلمانات الدول الصديقة والشقيقة، وتعزيز الحوار والتشاور السياسي حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والدفاع عن المصالح العليا للوطن والدود عن قضاياه الحيوية وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، وكذا ابراز خصوصية التجربة المغربية القائمة على الإصلاح والتراكم والاستمرارية ، والمؤمنة بالقيم الانسانية الكونية ومبادئ الاعتدال والتسامح واحترام الاخر ونبذ كل اشكال العنف والكراهية، وهي كلها مقومات عززت وتعزز مكانتنا داخل المنتظم البرلماني الدولي .
إن المبادرات التي عرفها المجلس خلال هذه الدورة كان لها دور ايجابي على مستوى حضور وأداء المجلس في مختلف المحافل البرلمانية الدولية، وتوجت بالعديد من المنجزات والمكاسب التي تنضاف الى رصيد المؤسسة، وتقوي تراكماتها.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا ان نهنئ أنفسنا ونهنئ بلادنا بالمكتسبات المهمة التي حققناها خلال هذه الدورة وخصوصا تولي الرئاسة الدورية للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في أعقاب أشغال الدورة العامة لهذه الجمعية بحضور برلمانيين ينتمون الى أزيد من 40 بلد عضو بالإتحاد.
بنفس المناسبة، نثمن عاليا مصادقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا على التقرير والقرار المتعلقين بتقييم الشراكة من اجل الديمقراطية بين البرلمان المغربي، ومن المؤكد أن هذه الإشارات القوية الدالة من شركائنا وأصدقائنا في هذه الفضاءات البرلمانية الهامة والوازنة تشكل تعبيراً عن الثقة والاحترام والتقدير للتجربة الديمقراطية والتنموية الناجحة، وحيوية مسارها بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله .
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أنوه بعمل أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة مع البرلمان الاوربي وكافة أعضاء الشعب الوطنية في المنظمات البرلمانية الجهوية والقارية والدولية دفاعا عن مصالح بلادنا، وترسيخا لإشعاعها .
وفي إطار هذه الدينامية التي شهدتها الديبلوماسية البرلمانية خلال هذه الفترة، قام المجلس ايضا بتقوية أواصر التعاون مع العديد من المنظمات الدولية المهمة، حيث تم التوقيع بالأحرف الاولى على اتفاقية انضمام البرلمان المغربي كعضو ملاحظ دائم لدى برلمان أمريكا الوسطى، إن هذه المبادرة النوعية والتي تحمل ابعاد استراتيجية ستفتح لنا آفاقاً واسعة لتعزيز علاقاتنا مع هذه المنطقة الاستراتيجية لخدمة المصالح الوطنية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.
وضمن هذا الحراك الدبلوماسي، أولى المجلس أهمية خاصة لامتداداتنا الافريقية، حيث كانت لنا لقاءات مباشرة مع عدد من نظرائنا البرلمانيين الافارقة المنتمين الى الدول الصديقة والشقيقة أتاحت لنا فرصا واسعة للحوار والتشاور السياسي، والوقوف عند التحديات المطروحة على الصعيدين الأفريقي والدولي.
كما شاركنا في اشغال الدورة 66 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الافريقي، وهي المشاركة التي جاءت بعد تولينا لرئاسة هذه اللجنة خلال الاشهر القليلة الماضية.
والى جانب هذه الأنشطة، عرفت هذه الدورة أيضا انعقاد المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي في دورته الثانية، هذا الاطار البرلماني الذي شكل اجتماعه حدثا مكننا من تعميق علاقات الصداقة والتعاون مع زملائنا الفرنسيين، والتباحث حول جملة من القضايا والمواضيع التي تستأثر باهتمامنا الثنائي.
كما شهدت فعاليات هذا المنتدى التوقيع على بروتوكول للتعاون البرلماني بين مجلس النواب والجمعية الوطنية الفرنسية بغاية تبادل التجارب والخبرات في مجالات العمل البرلماني في كلا البلدين.
لقد اقدم المجلس أيضا على عدد من المبادرات بتعاون مع بعض الشركاء الدوليين وأخص بالذكر البنك الدولي ومؤسسة ويستمنستر للديمقراطية إذ تم تنظيم عدة تظاهرات ولقاءات علمية ودورات تكوينية استفادت منها مكونات المجلس السياسية والإدارية، وذلك ما يدعو الى الاعتزاز ويفتح افاقا واسعا لأوجه هذا التعاون الواعد.
حضرات السيدات والسادة
في إطار حرص المجلس على استكمال تفعيل ورش البرلمان الالكتروني، تم الشروع في تحديث شبكة المعلوميات بهدف مواكبة التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، وضمان تبادل سلس للمعلومات داخليا وخارجيا، كما تم الشروع في إنجاز ورش يتعلق بتحديث أمن الشبكة المعلوماتية، و اطلاق مشروع واعد يتعلق بالتدبير الالكتروني للوثائق، فضلا عن تعميم تقارير اللجان البرلمانية بطريقة الكترونية.
واستنادا لمقتضيات الدستور بخصوص الجريدة الرسمية للبرلمان، وبعد اعداد تصور ومشروع شاملين ومتكاملين في الموضوع بالتنسيق مع مصالح الامانة العامة للحكومة، قام مجلس النواب خلال هذه الفترة بتفعيل هذا الورش بالشروع في إصدار الجريدة الرسمية للبرلمان بطريقة الكترونية.
وفي اطار صيانة ذاكرة المجلس والمحافظة على التراث البرلماني، قام المجلس خلال هذه الدورة ضمن مشروع شامل لتنظيم الارشيف باتخاذ الاجراءات الاولية لإعداد الفضاء المخصص للأرشيف وفق المواصفات اللازمة في هذا الشأن، كما تم الشروع في وضع نظام حديث لتدبير أرشيف المجلس .
وإيمانا منا بأهمية تطوير وتأهيل البنيات الادارية والبشرية وجعلها منخرطة في الاوراش الكبرى التي أطلقها المجلس في مجال العمل البرلماني ، قام المجلس بإعداد برنامج للتكوين بهدف تطوير قدرات أجهزة مجلس النواب وموارده البشرية، وتأهيل أدائه في مجال تقنيات التواصل واللغات والتقنيات التشريعية والعمل الرقابي والدبلوماسية البرلمانية .
وأود في هذا الصدد، أن أجدد التعبير عن بالغ الامتنان لأعضاء المكتب للمجهودات التي يبذلونها في سبيل توفير فضاءات ووسائل العمل الضرورية لكافة السيدات والسادة النواب ولإدارة المجلس بغية النهوض بالمهام المنوطة بهم وفي أحسن الظروف.
حضرات السيدات والسادة
اسمحوا لي في الختام أن أتوجه بأحر التشكرات الى كل الارادات الصادقة التي عملت على ضمان مقومات نجاح هذه الدورة وإثراء رصيدها، وإغناء منجزها التاريخي، ونخص بالذكر السيد رئيس الحكومة وكافة السيدات والسادة الوزراء وضمنهم الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وكذا رؤساء المؤسسات والهيئات الدستورية بفضل اسهامهم المتواصل الرامي الى تعزيز جسور التعاون بين مؤسساتنا.
هي مناسبة كذلك، لتثمين المجهودات المتواصلة والنوعية التي قام بها السيدات والسادة النواب والسيدات والسادة أعضاء المكتب ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية، ورؤساء اللجان الدائمة، والتنويه بالتزامهم الثابت وروحهم الوطنية العالية التي ابانوا عليها طيلة هذه الفترة.
والشكر موصول إلى جميع موظفي وموظفات المجلس على تعبئتهم المستمرة وتفانيهم في خدمة هذه المؤسسة.
كما أتوجه بالشكر لكافة المنابر الإعلامية بأنواعها المرئية والمكتوبة والمسموعة والالكترونية على مواكبتها وتتبعها لأشغال وأنشطة المجلس خلال هذه الدورة.
أملنا كبير في ان نكون خلال هذه الدورة قد وفقنا في القيام بالمسؤوليات الدستورية المنوطة بنا، والمساهمة في تطوير التجربة الديمقراطية المغربية، والرقي بالممارسات السياسية الفضلى، وتكريس العمل السياسي النبيل بما يقوي صورة المؤسسة ويزيد في اشعاعها وفق ما يرتضيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.