بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
أصحاب المعالي،
السيدة رئيسة البرلمان البرتغالي،
السيد رئيس وزراء البرتغال،
السيدات والسادة الحضور الكرام،
لا أستطيع أن أخفي مشاعري الخاصة وأنا أتناول الكلمة في اختتام هذا اللقاء المُزْدَوَج، حيث تلاقت قمة الرؤساء مع الجمعية العامة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، وحيث أتيح لنا جميعا في هذه اللحظة الرفيعة أن نجدد صداقتنا المتوسطية في هذا الإطار البرلماني المتوسطي الذي كان لنا شرف الإسهام في تأسيسه كبرلمان مغربي، وكان للمغرب شرف الإسهام في إثراء رصيده، وها أنا أتحمل – هنا والآن – مسؤوليته وأمانته لمرحلة آمل أن أتمكن خلالها بل وأن نتمكن جميعا، مع بعضنا البعض، من مواصلة حوارنا وإنصاتنا لبعضنا البعض وتكثيف تواصلنا للمزيد من التراكم الإيجابي المثمر والخلاق.
لقد كانت هذه الدورة التي احتضنتها البرتغال مناسبة هامة لتطوير نقاشاتنا حول الفضاء المتوسطي وقضاياه الإشكالية، وفي مقدمتها الهجرة واللجوء وحقوق الإنسان. وللسعي إلى توحيد وجهات نظرنا كبرلمانيين وكفاعلين سياسيين معنيين سياسيا وأخلاقيا وثقافيا وحضاريا وإنسانيا بالاهتمام بالهجرة والمسألة الحقوقية والإنسانية في هذه البحيرة التي نطل جميعاً عليها يوميّاً بالمعنى الجغرافي، وكذا بالمعنى الجيوسياسي والاقتصادي، وبالمعنى التاريخي والسوسيو ثقافي، وطبعا بالمعنى المادي والرمزي.
ولذا، أود أن أشكر البرتغال، شعباً وحكومةً وبرلماناً، على حُسنِ الاستقبال والاستضافة وعلى الجهد الفاضل الكريم الذي بُذِل في إِنجاح لقائنا. كما أَشْكُرُ بالأخص زميلتي الموقرة السيدة ماريا دا أنسونساو استيفيش Maria da Assunçao Esteves على ما قدمته أثناء تحملها للمسؤولية على رأْس جمعيتنا، وعلى اللَّمْسَة الطيبة التي أَضْفَتْها على مسار وذاكرة هذه المنظمة المتوسطية الوازنة. والشكر موصول بالطبع إلى كافة الزملاء والأصدقاء رؤساء البرلمانات في الفضاء المتوسطي على التفافهم ودعمهم لعملنا الجماعي الذي ينبغي أن يتواصل بنفس الروح والإرادة والعزم، وذلك خدمة للمتوسط، للانسان المتوسطي، وبالتالي حرصا على الاستقرار والطمأنينة في منطقتنا وفي بلداننا، وسعياً نحو تحقيق الرفاهية المشتركة التي طالما تحدثنا عنها.
لا أريد في هذه الكلمة أن أعيدكم مجدَّداً إلى النقاشات الثرية التي جرت بيننا خلال هذه الدورة، ولكنَّني أُريد فقط أن أؤكد أن المشاكل الكبرى التي باتت تلقي بثقلها وظلالها على المتوسط ستحتاج إلى جهد أكبر من الحكومات والبرلمانات المتوسطية، ولكن أيضاً من مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، وكذا إلى جهود المفكرين والباحثين كي نضع خريطة طريق حضارية للبحر الأبيض المتوسط.
ولست في حاجةٍ إلى التأكيد على أن قضايا الأمن والسلم والاستقرار في المتوسط تظل أحد انشغالاتنا الأساسية. كما أن التنمية المستدامة تبقى أولوية الأولويات، خصوصاً حين نرى أَنفُسنا اليوم أمام مشاهِدَ مرعبةٍ ومؤلمةٍ بل وتراجيدية، بكل ما للكلمة من معنىً، أقصد تحديداً مراكب الموت التي أضحت تزحف يومياً على السواحل الأوروبية مُحوِّلةً مياه البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة جماعية عائمة.
إِن هذه الهجرات خلقتها وتَخْلُقُها أساساً المشاريع التنموية المُعاقَة، واندلاعُ الحروب المؤسفة التي لامعنى لها، والكوارث الطبيعية كالجفاف والتَّصَحُّر، والآفات الاجتماعية كالإرهاب والتطرف الأَعمى والجريمة المنظمة وتهريب البشر وما إِلى ذلك. ومنْ ثَمَّ، أرى أن علينا أن نقتسم الأفق المقبل بتحمل مسؤوليتنا الجماعية في بناءٍ تصور مُوحَّد لمجموعتنا الأورومتوسطية على أساسٍ جدي، فعلي، حقيقي من التضامن والتعاون والتنسيق وتبادل المعطيات والخبرات.
حضرات السيدات والسادة،
كان الشاعر والكاتب الفرنسي الكبير بول فاليري Paul Valéry يقول إن المتوسط "آلة لصناعة الحضارة" (La méditérranée, c’est une « machine à faire la civilisation).
وبالفعل، حين نتأمل ما يجمعنا في المتوسط، لانجد فقط تبادل المصالح الاقتصادية والمادية وهو مُشْتَركٌ مشروعٌ وضروريٌّ، ولكننا نتبادل أيضا هذا المشترك الحضاري العميق.
فهنا على ضفاف المتوسط وهوامشه، عَرفَتِ الانسانيةُ ميلادَ الزراعةِ، والأبجديةِ، والديانات التوحيدية.
هُنَا، وُلدَتِ الفلسفة والفكر العقلاني والتاريخي منذ أرسطو إلى إِبن رشد وإبن ميمون وابْنِ خلدون. هُنا أَيضاً، نشأت امبراطوريات كبرى عَبَرت تاريخَنا المتوسطي وصَنَعَتْه.
ولِذَا، أَشْعُر شخصياً، وأنا أَتحمل شرف المسؤولية على رأس الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، أَنني مسؤول لا على تدبير برنامج هذه الجمعية فحسب، بل مسؤول أيضاً عن تطوير هذه الثقافة والمقاربة المتوسطية بكل عمقها وجذورها وتراثها المادي واللاَّمَادِّي، التي ينبغي أن نسهم جميعا في صيانتها واستمراريتها لما فيه خير الإنسان المتوسطي وخَيْرُ وصالحُ الإنسانية جمعاء.
ونحن عندما نقرأ كتابات المؤرخ فرنان بروديل (Fernand Braudel) أو الجغرافي كلود باران (Claude Parain)، على سبيل المثال، نتذكر على الأقل أن المتوسط
كان ولايزال فضاء اتصال بين أوروبا وأفريقيا والشرق حيث ألحا معا على
العمق الحضاري المشترك، وعلى أوجه التبادل وتعدد مصادر الانصهار الثقافي والإثني، (les multiples métissages) وهو رأسمال مادي ورمزي علينا أن نحافظ عليه بتطويره وتجديده.
وأعتقد أننا كبرلمانيين متوسطيين قادرون على أن نفعل أشياء أساسية لفائدة هذا المشترك، وأن ندفع حكوماتنا ومجتمعاتنا في الاتجاه الصائب، أي نحو المزيد من أنسنة القرارات، والمزيد من تجسير العلاقات وتقويتها، وترسيخ ثقافة الحوار والسلم، ومراكمة أسباب الحياة في مياه المتوسط حتى لا تصبح بحيرتنا آلة لصناعة الموت.
أجدد لكم الشكر، وأعدكم بمواصلة العمل حول ما يجمعنا، وما يقربنا من بعضنا البعض، وتوحيد جهودنا وأفكارنا ووجهات نظرنا.
وشكرا على اهتمامكم.