Pasar al contenido principal

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في الاجتماع الرابع لِلَّجنَة الدائمة لشؤون فلسطين لاتحاد مجالس الدول الأَعضاء في منظمة التعاون الاسلامي

11/06/2014

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أَشْرف المرْسَلين

 

السيد رئيس مجلس المستشارين،

السيد الأمين العام لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي،

السادة أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد،

السادة أعضاء اللجنة الدائمة لشؤون فلسطين،

ضُيُوفَنَا وأَشقاءنا الأَجِلاَّء،

أيها الحُضُورُ الكرام،

يقتضي المقام أولاً أن أرحب بكم في المملكة المغربية، هُنَا في البرلمان المغربي، معبِّراً عن أصدق مشاعر الاعتزاز والسرور، شاكراً لكم فضل حضوركم وإِسهامكم في الاجتماع الرابع لِلَّجنةِ الدائمة لشؤون فلسطين، وذلك في إطار دينامية العمل المنهجي لاتحاد مجالس الدول الأَعضاء في منظمة التعاون الاسلامي.

فباسمي شخصياً وباسم مكتب مجلس النواب وكافة أعضائه أتمنى لكم مقاماً طيباً في بلدكم الثاني، المغرب، وكلِّي أَمَل في أَن ينبثق عن هذا الاجتماع ما يُعزِّز من مكاسِبِ القضية الفلسطينية، وما يفتح الأفق لدعمها. وإِن حُضُورَكم الفعلي كممثلينَ للمجموعات العربية والأَسيوية والإفريقية فضلاً عن أعضاء التّْرُويْكا، في إطار الاتحاد، لَأَبْرزَ دليلٍ على حرصكم المكين وانشغالكم المخلص بالشأن الفلسطيني.

ولابأس، في مُسْتَهَلِّ هذه الكلمة، أن أُعبِّرَ أَيضاً عن صادق التزامنا في إِطار المبادئ والقيم والعهود التي انخرطنا فيها، كبرلمانٍ مغربي، داخل اتحاد مجالس الدول الأَعضاء في منظمة التعاون الإسلامي منذ أن كان لنا شَرَفُ المساهمة في تأسيسه خلال شهر يونيو/حُزَيْران سنة 1999 في العاصمة الإِيرانية، طهران.

لقد أخذنا على أنفسنا منذئذ، وبمعية أَشقائنا جميعاً، أن نُقَوِّيَ صفوفنا كبرلمانيين وبرلمانيات نمثل العالم الاسلامي، وأَن نجمع كلمتنا خدمةً للاسلام، عقيدة سَمْحةً وحضارةً وثقافةً منفتحةً، وأن نُعَزِّز الخيار الديموقراطي متَمثِّلِين رُوحَ الشُّورَى والوَسَطية والاعتدال، وكُلُّنا حرصٌ على أن نجتهد ونَجِدّ لتعزيز حضور أمتنا الإسلامية في المحافل والمنتديات الدولية، وأن نجعل إِرادتنا ومواردنا وطاقاتنا في إِطار الاتحاد تتكامل وتُتَبادل، فننسق الجهود بين الأشقاء، ونمد جسور التواصل والتعاون والتضامن.

وبهذه الروح، كان للمملكة المغربية - على عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمَهُ الله وَبَلَّ تُرْبَتَه – فضْلُ المبادرة سنة 1969 إلى الدعوة – غَدَاةَ حادثةِ إِحْراقِ المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المقدسات الاسلامية في مدينة القدس – إلى عقد أول قمة إِسلامية التي كانت المنطلق الأَساس لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

ومما يزيدنا اعتزازاً بهذا الإِطار البرلماني الإسلامي، وبهذا اللقاء في الرباط، أن المَغْرِبَ في شَخْصِ عاهلِهِ الكريم صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله يتشرَّفُ برئاسة لجنة القُدْس في إِطار منظمة التعاون الإسلامي، ومن ثَمَّ يحتضن وكالة بين مال القدس الشريف، ويدعم برامجها مالياً وإدارياً وبشرياً وتقنياً، وذلك ضمن الإطار الإسلامي العربي الملتزم بخدمة القضية الفلسطينية والالتحام مع أفقها النضالي والإنساني.

لقد كان البرلمان المغربي بمجلسَيْه، ولايزال شديد الحرص على الإِسهام بخَطِّهِ في إثراء وتطوير أداءِ اتحادنا، وقد سَبَقَ له أَنِ احتضن قبل هذا اللقاء عدداً من لقاءات واجتماعات اللجنة التنفيذية ومجلس الاتحاد. كما استضاف المغرب الدورة الثانية لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وترأس الاتحاد لولاية كاملة ما بين سبتمبر (أيلول) 2001 ومارس (آذار) 2003.

واليوم أيضاً، يُسْعِدُنا استضافَةَ هذا الاجتماع المكرَّس للشؤون الفلسطينية، علماً أن بلادنا اختارت مبكراً أن تجعل من القضية الفلسطينية قضيةً وطنية، إِن على مستوى مؤسسات الدولة أو على مستوى المؤسسات والمنَظَّمات الشعبية. طَبْعاً، إِن الأَمر يتعلق بالتزام سياسي في إِطار العمل المؤسَّسي الإسلامي والعربي ومقتضياته ومواثيقه ومقترحاته المنسجمة مع مبادئ الشرعية الأممية والقوانين الدولية. ولكنَّ للمغاربة أيضاً ارتباطاً جوهرياً عميقاً مع فلسطين، وخصوصاً مدينة القدس، كمكان للذاكرة الحضارية والوشائج الدينية والرُّوحية المُتَأَصِّلَة.

لقد اعتبر المغاربة القدس الشريف مَقْصِداً ومزاراً. كما اعتبروا "أهل بيت القدس جيران الله" كما كان يُعَبِّر عن ذلك الصَّفْوةُ الطاهرة من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسَلَّم.

وضمن حشود المسلمين والمسلمات الذين ظلوا، عبر التاريخ، يتوافدون على بيت المقدس كمحج وكَمَقَرٍّ للإِقامة الروحية والجوار الديني المشرق، كان هناك آلاف المغاربة الذين لم ينقطع ذِكْرُهم في تاريخ المدينة فاشتهرت حارة باسمهم (حارة المغاربة)، التي لايزال عدد من مساكنها وعقاراتها وأوقافها في مِلْكيَّة مغربية، منها ما صودرَ ومنها ما تَمَّ تخريبُه وهَدْمُه وإِقْبَارُه. ومن العلماء والشيوخ والفقهاء والأَدباء والمؤرخين من أهل المغرب والغَرْب الاسلامي، نذكُر إِبن خلدون، وعبد الملك بن حبيب،  وأبا الحسن الزُّهْري الأندلسي               وأبا عبد الله محمد بن علي القرطبي والفقيه المحدِّث عبد الله بن الوليد الأنصاري والفقيهَيْن الشهيرين محمد الوليد الطروطوسي صاحب كتاب "سراج الملوح" وأبا بكر بن العربي صاحب  كِتَاب "أحكام القرآن"، والرحالة محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، وأبا عبد الله محمد العبروي الحيحي، والقاسم بن يوسف التُّجيبِي صاحب كتاب "مُسْتَفَادُ الرحلة والاسغراب"، والرحالة الشهير أَبَا البقاء خالد بن عيسى البَلَوي. كما يَذْكُر التاريخ أن بعض هؤلاء المغاربة استقروا لفترات، كانت تطول أو تقصر حسب الظروف، في القدس. وأكثر من ذلك، تَولَّى بعض المغاربة مناصبَ رفيعةً هناك، بينهم أبو الحسَن المَعَافِري المَالِكي، المتوفى أوائل القرن السابع الميلادي، الذي كان خطيباً للمسجد الأقصى المبارك، وأبوبكر الشُّرَيْشي، المتوفَّى في القرن السابع الميلادي، والذي تَولَّى مشيخة الحرم بالقدس الشريف، وإبن الأَزرق الغرناطي الذي تَوَلَّى قضاء بيت المقدس في القرن التاسع الهجري (القرن 15 الميلادي)، فضلاً عنْ أَنَّ أكثرية أئمة المالكية كانت من الطائفة المغربية.

وحتى في المغرب المعاصر، لم تتوقف هجرة المغاربة إلى مدينة القدس، إذ أن عدداً من قادة الحركة الوطنية المغربية كانوا يبعثون بأبنائهم لمتابعة دراساتهم في مدارس القدس خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وبالتالي، لم يكن غريبا – أبداً – أن يبادر ملك المغرب الراحل المرحوم الحسن الثاني إلى اقتراح إنشاء هيأة تضطلع بمهام توفير الدعم اللازم لصمود القدس ومقاومة مخططات التهويد، فكانت (وكالة بيت مال القدس الشريف) التي تنهض بدور حيوي في حصر الاحتياجات الضرورية للمدينة المقدسة وتحسيس العالم الاسلامي بواجباته للنهوض بهذه الاحتياجات ووضع الخطط الكفيلة بتلبيتها على أرض الواقع.

وعلى هذا النهج، تواصل الارتباط المغربي بفلسطين، وتَقَوَّى الثباتُ على الموقف والالتزام بالقضية الفلسطينية بكل أبعادها السياسية والدينية والاستراتيجية حيث يكمل جلالة الملك محمد السادس رسالة جده           محمد الخامس ووالده الحسن الثاني طيب الله ثراهما بالإسهام والإسناد والدعم ضمن الجهود الخيرة لقادة وأبناء أمتنا الإسلامية والعربية، إلى أن تجد القضية الفلسطينية طريقها إلى الحل الذي يكفل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وذلك ببناء الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس.

وقبل هذا وبَعْدَهُ، إن القضية الفلسطينية قضية المسلمين كافة، وإن على إطار برلماني إسلامي كهذا الإطار أن يناضل اليوم لكي لاتتراجع هذه القضية المشروعة العادلة على سلم الأولويات في اهتمامات العالَمَين الاسلامي والعربي. ومامن شك أن الفاعلين البرلمانيين قادرون على إيلاء الاعتبار للقضية في جميع المنتديات الدولية، وحثّ المجتمع الدولي على تبنّي ودعم الحقوق الفلسطينية ونصرتها.

وإنها لفرصة كي نُحيِّيَ الجهد الوحدوي المبذول داخل الصف الفلسطيني، وروح الالتحام بين الفصيلَيْن الكبيرين في الساحة الفلسطينية، وكي نجدد الالتزام بموقف إسلامي مُوَحَّد وفَعَّال يؤكد ثبات موقف أمتنا ومنظمتنا من أَجل فلسطين الصامدة والتأكيد على سلام عادل في الشرق الأوسط الذي لن يتحقق إلاَّ بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

                                             والسلام عليكم.