Pasar al contenido principal

الرباط 14/10/1977 :خطاب المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى :السنة التشريعية 1977-1978

14/10/1977

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

حضرات السادة المنتخبين

أصحاب السعادة رؤساء الجمعيات التمثيلية للدول الصديقة والشقيقة

إنه ليوم سعيد هذا الذي نعيشه إذ يلتقي مع رغبة من أشد رغباتنا ويحقق خطوة من أعز خطواتنا. لقد فكرت كثيرا في موضوع الخطاب الذي افتتح به دورة هذا البرلمان فلم أر أحسن من آية قرآنية أكررها كثيرا على مسامع شعبي العزيز، وهي قول الله سبحانه وتعالى:( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ).فالله سبحانه وتعالى بعد ما خلق البرية أبى بكرمه إلا أن يهذب ويربي البشرية، فعلى يد أنبيائه ورسله وكتبه رباها وهذبها حتى سار بها إلى المستوى الذي وصلت إليه، وكلما زادت البشرية في عمرها حقبا بعد حقب وقرون بعد قرون أصبح التهذيب الرباني أدق واصلح للمجتمع وللتعايش فيه. وهكذا حينما ختم سبحانه وتعالى رسالاته برسالة النبي صلى الله عليه و سلم وحينما جعل تلك الرسالة عامة أراد أن يهذب البشرية بهذه الجملة وهذه الآية: [[وكذلك جعلناكم أمة وسطا]].وكم نحن في حاجة إلى هذا التعليم القرآني الذي نعيش فيه، فالإنسانية أصبحت حمقاء في اقتصادها في تجارتها في تعاملها في أنظمتها، لقد سيطرت على البعض الجهالة الجهلاء، وسيطرت على البعض الثروة العمياء، وسيطرت على الطرف الثالث الحماقة الحمقاء، وأخيرا سيطر على الطرف الرابع الاستهتار بالمقدسات والأخلاق. فالأمة الوسط هي التي تعرف كيف توفق بين الدول النامية وبين الدول التي هي في طريق النمو في المؤتمرات الاقتصادية، فيما يخص التبادل التجاري والطاقة والمواد الأولية، الأمة الوسط هي التي تعرف كيف يمكنها أن تجعل نظاما محترما محكما يتعايش مع حريات خاصة وعامة الأمة الوسط هي الأمة التي تعرف كيف توفق بين طاقاتها وإمكاناتها وبين مطامحها وآمالها.

(وكذلك جعلناكم أمة وسطا)

لا إفراط ولا تفريط، وكيف يمكن أن نصل إلى هذه الأمة الوسط؟ نصل إليها بالتشاور أو بتعريف جديد للديمقراطية، فالتشاور هو بنفسه يقتضي أن نكون أمة وسطا حتى لا يطغى أحد من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وحتى في مشاورتنا علينا أن نكون أمة وسطا. لي اليقين أن الجل منكم وعد منتخبيه عدات وعدات انه سينجز وسينجز وسينجز، وكم أكون فخورا أن ينجز كل منتخب كيفما كانت نوعيته وكيفما كان حزبه. وكم أكون فخورا أن ينجز كل منتخب ما وعد به ولكن حتى في هذا الميدان علينا أن نكون أمة وسطا ففي مدتنا ما هو جدير بالأسبقية وما يمكن تأجيله وتأخيره لقلة الوسائل أو لقلة الأطر. أمة وسطا معناها أنه مكتوب عليكم أيها المنتخبون قبل كل شيء إحصاء الحاجيات. أن تكونوا على معرفة تامة بالإمكانات. ولما تكونون على معرفة تامة بالإمكانات.يمكنكم إذ ذاك أن تنتقوا من الضروريات ومن الحاجيات ماهو جدير بالأسبقية ،وهذه الخصال من خصال الأمة الوسط.

حضرات السادة:

عليكم أن تعلموا أن العالم الثالث كلما اتسع اتسعت أمامنا بالوسائل السمعية والمرئية أو بالوسائل السلكية واللاسلكية أو بوسائل النقل. إن العالم كلما اتسع صغر في الحقيقة، فلذا حينما تتطرقون إلى موضوع من المواضيع، إياكم أن تعتقدوا أنه موجود الآن موضوع داخلي صرف إنه لا يوجد موضوع داخلي صرف اليوم لدولة تريد أن تسير مسيرتها مثل المغرب، لدولة جعلها الله على باب من أبواب بحار، مثل المغرب، كدولة جاءت في مفترق الطرق بين أوربا وبين المغرب العربي وبين إفريقيا. فعليكم أن تعتقدوا وتعلموا وتؤمنوا بأن كل تشريع شرعتموه وكل تخطيط خططتموه إلا وله مساس كبير أو صغير وصلة قريبة أو بعيدة بالميادين الخارجية، وأنا متيقن أن هذا يزيدكم تقديرا للواجب الملقى على عاتقكم وللأمانة التي كلفتم بها من لدن منتخبيكم.

حضرات السادة:

إن بلدنا محب للسلام، كان دائما داعية للسلام وسيبقى دعامة للسلام، لذا أريد منكم أن تنكبوا على مشاكل أمن بلدكم وطمأنينتها واطمئنانها، أن تنكبوا علما بإمعان وإدراك للمسؤولية، ذلك أن عملنا اليوم وخطابي اليوم، ووجودكم هنا اليوم، يشكل استفزازا بل تحديا لمدرسة الديكتاتورية ولمدرسة الحزب الوحيد ولمدرسة الإفقار الفكري حتى نتمكن بسهولة من السيطرة على الأفكار وعلى الجماعات والأفراد. إن بلدنا الذي هو معرض إلى ما هو معرض إليه منذ القدم، لان الله سبحانه وتعالى جعله من أعز البلاد على وكثر الأرض الله حسادنا وكما قال النبي صلى الله عليه و سلم فبلدنا بعمله هذا زاد سببا من أسباب الاستفزاز، ومن أسباب التحدي. ولكن ما أشرف هذا التحدي وما أشرف هذا الاستفزاز، فأنا أريد أن أتحدى الناس بحرية، أريد أن أتحدى الناس بالمشاورة مع المنتخبين، أريد أن أتحدى الناس بتعدد الأحزاب والهيئات والآراء، لأن تحديات مثل هذه هي التحديات التاريخية الأصيلة الملصقة بتاريخ المغرب، ماضيه وحاضره ومستقبله إن شاء الله.

إنني وأنا باسم الله الرحمن الرحيم أعلن افتتاح هذه الدورة أرجو منه سبحانه وتعالى أن يجعلها مليئة بالخير كفيلة بتحقيق كل ما علقه عليكم ملككم ومنتخبوكم، أن يجعل من أعمالكم أعمالا مباركة حتى تكونوا أديتم واجبكم نحو هذا البلد ولا اعتقد أني في حاجة إلى أن أؤكد لكم لأن احساساتكم كاحساساتي لهذا البلد الذي يستحق كل تضحية وكل تقدير.

جعله الله سبحانه بلدا آمنا تهوى إليه قلوب الناس من مشارق الأرض ومغاربها حتى يصبح جنة خضراء لكل من أراد أن يستظل بظل الحرية الوريف، بظل القانون الحر، بظل الفكر في إطار الإسلام والسنة النبوية.

والسلام عليكم ورحمة الله