Pasar al contenido principal

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب افي الجلسة الافتتاحية لأشغال اجتماع الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط حول موضوع: » التطرف، الإرهاب ومآسي الهجرة السرية بالبحر الأبيض المتوسط، أية سياسات من أجل مواجهة هذه التحديات المتجددة؟

الدكتور محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين ورئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط

الزملاء البرلمانيين

السيدات والسادة الخبراء ومسؤولي المنظمات الدولية

 

يطيب لي في البداية أن أجدد الترحيب بضيوف المغرب الكبار وأشكرهم على تلبية الدعوة للالتقاء مرة أخرى على أرض المملكة المغربية لمناقشة مواضيع راهنة وهي محط اهتمام دولي على كافة المستويات.

وإنه لمن الطبيعي أن تكون مواضيع التطرف والعنف والارهاب والهجرات غير القانونية موضوع اهتمام المجموعة البرلمانية الدولية والمنظمات البرلمانية المتعددة الأطراف لأنها ترهن حال ومستقبل البشرية، ولأن الأمر يتعلق بتهديد للأمن والاستقرار الدوليين بعد الاعتقاد الخاطئ الذي ساد في فترة ما من أن هذه الظواهر محدوده الآثر في حدودها الاقليمية.

 

السيدات والسادة

إننا في مواجهتنا للارهاب والعنف والتطرف والهجرة غير القانونية والاتجار في البشر والأسلحة والمخدرات، أمام تحديات خطيرة، وأمام تهديد حقيقي للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي لم تعشه المجموعة الدولية حتى على عهد الحرب الباردة حيث كانت قواعد اللعبة السياسية واضحة، مما يتطلب وضع استراتيجيات مشتركة متشاور بشأنها لمواجهة هذه التحديات..

ولست في حاجة إلى وصف هذه الظواهر وآثارها المدمرة على الشعوب، إذ يتعلق الأمر بتراجيديا حقيقية وبتقويض لمستقبل بلدان بكاملها ولمصادرة حقوق الأجيال الحالية والمقبلة في الأمن والسلم والرفاهية، تراجيديا لم يسلم معها حتى الإرث الانساني الثمين متمثلا في آثار حضارات كبرى عريقة حيث يطال التدمير معالم تاريخية من تومبوكتو إلى حضارة سبإ وحضارة بلاد الرافدين. وكيف بالذي يتشوق ويتلذذ بتدمير إرث إنساني عريق ألا يستلذ بقتل الناس ويعمم الرعب.

إن من مهامنا كممثلين للشعوب أن نقترح السياسات وندفع الحكومات والمجموعة الدولية، ونحن جزء منها، إلى تنفيذ السياسات وإعمال الاجراءات الناجعة والعملية لمواجهة هذه التحديات المشتركة التي تتطلب سياسات ومواقف مشتركة. ولكن علينا، من باب مساهمتنا، أن نعمل أولا على البحث عن أسباب وجذور هذه الظواهر واقتراح السياسات والتشريعات الكفيلة بالتصدي لها إذا نحن أردنا التصدي للظواهر في حد ذاتها.

وإذا كان التطرف والارهاب لايقتصران على ثقافة أو حضارة بعينهما، فإن ثمة أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية هي التي تنتجهما. فإذا كانت البطالة والفوارق الاجتماعية والفقر هي التربة الخصبة حيث يُسْتَنْبَتُ اليأس والاحباط الذي قد يتحول إلى تطرف ثم ممارسة للعنف، فإن عوامل أخرى تغذي هذه الظاهرة. فغياب الديموقراطية وتغييب التعددية السياسية والحزبية وإقصاء المواطنين من تدبير الشأن العام يدفع قطاعات واسعة من الشباب بالخصوص، إلى السقوط في براثن التطرف ويقع ضحية استقطاب الفكر الشمولي الاقصائي المنغلق.

ويترتب عن ذلك أن إشاعة الديموقراطية والتعددية السياسية، وبناء مؤسسات تمثيلية وتيسير قيام أحزاب ذات مصداقية وتضطلع بدورها التأطيري، مهمة آنية لامتصاص آفة التطرف.

 

 

وإذا كان هذا الهدف مهمة الشعوب المعنية، فإنه في حاجة إلى دعم دولي، كما أن القضاء على الفقر يقتضي تضامنا دوليا من نوع جديد لدعم البلدان المعنية في جنوب وشرق المتوسط التي تعيش حالة عدم الاستقرار أو حروب أهلية لبناء مؤسسات الدولة.

ويحتاج التصدي للإرهاب مجهوداً أمنيا واستخباراتيا مشتركا، يُبنى على أساس احترام القوانين الداخلية لكل بلد، كما يتطلب عملا زجريا ينفذ في إطار احترام حقوق الإنسان، وتفكيكا للخلايا الارهابية.

ويتطلب هذا الهدف أيضا عملا بيداغوجيا وتأطيراً ثقافياً على أساس رؤية جديدة أساسها احترام قيم الديموقراطية والتعددية والتسامح، ومحاربة التعصب والانغلاق، ما يعني ضرورة إصلاح المناهج التعليمية وإعادة النظر في محتويات البرامج المدرسية بما يشجع ويكرس هذه القيم ويبني شخصية المواطن الجديد. وفي المقابل فإنه يتطلب تجنب الأحكام الجاهزة والأحكام المسبقة وربط الإرهاب والتطرف بدين يعينه وحضارة بعينها، والتصدي لموجات كراهية الأجانب والتعصب.

 

السيد رئيس مجلس المستشارين

الزملاء والزميلات

السيدات والسادة

 

لقد انتفضت عدد من شعوب بلدان جنوب وشرق المتوسط مع مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة مدفوعة بآمال وأحلام تحقيق الكرامة والديموقراطية. وقد اختلفت مسارات الحراك الشعبي في المنطقة. فإذا كان البعض قد توج بالاستقرار، فإن عددا من البلدان تحول إلى ساحات عنف وإرهاب وحروب أهلية وطائفية إذ انهارت الدولة الشمولية فاسحة المجال أمام الجماعات المسلحة تعبث بالأرض والعباد. ولم تقتصر تداعيات سقوط الدولة في هذه البلدان على الداخل، بل تمدد العنف إلى المحيط الإقليمي مستغلا وفرة السلاح والفوضى، فيما كان من تداعيات هذا الانهيار ظهور مآسي جديدة وفي مقدمتها الهجرة غير القانونية التي ازدادت وتيرتها، والاتجار في البشر والأسلحة والمخدرات.

ولا يتغذى التطرف والإرهاب من الأوضاع الداخلية فقط، ولكنه يتقوى أيضا من الشعور بالاحباط ومن الاختلال الكبير في العلاقات الدولية غير العادلة ومن بعض النزاعات المسلحة. فلست في حاجة مثلا إلى تذكيركم بأن أصل مشكلات الشرق الأوسط المعقدة هو الاحتلال المناقض لكل الشرائع الوضعية والسماوية. فالظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني على مدى 67 عاما وإمعان إسرائيل في محاصرة هذا الشعب وتقتيل أبنائه ومصادرة أملاك الفلسطينيين، واستمرار احتلال الأراضي العربية الأخرى ورفضها قيام دولة قابلة للحياة، لا يمكن إلا أن يستمر في إنتاج وإعادة العنف.

علينا إذن، أن نتوحه إلى واحد من الجذور الرئيسية لدوامة العنف في الشرق الأوسط، والعمل على إنهاء احتلال اسرائيل للأراضي العربية وإلزامها باحترام القانون الدولي.

إن الأمر لا يتعلق فقط بتمكين شعب أصيل من حقوقه الأساسية، ولكن بمسؤولية المجموعة الدولية قي تصحيح الاختلالات والظلم الذي يميز العلاقات الدولية في هذا النزاع بالذات.

 

 

 

السيدات والسادة،

لا تقتصر كلفة التطرف والعنف والإرهاب على الخسائر البشرية ودمار العمران، ولكنها تمتد إلى تعطيل التنمية والإنتاج وتفويت فرص تاريخية على الشعوب لتحقيق الوثبات الإنمائية المتوخاة وتوفير الشغل الضامن للكرامة. وينتج عن هذا التعطيل، بطالة بنيوية مُحْبِطة لملايين الشباب الذين يبحثون بكل الوسائل عن سبل الوصول إلى ما يعتقدونه ملاذا آمنا وموطنا لتحقيق كل الآمال : بلدان الشمال، باحثين عن الشغل وأيضا عن الأمن والسلم اللَّذَيْنِ يُحرمون منهما بسبب أوضاع عدم الاستقرار والنزاعات المسلحة.

لقد عشنا في الأسابيع القليلة الماضية، مآسي حقيقية لهذه الهجرة غير القانونية إذ لقي مئات الاشخاص مصرعهم في عرض البحر الأبيض المتوسط بعد أن استغلتهم شبكات التهجير السري وأوهمتهم بإيصالهم إلى شاطئ وهمي للنجاة.

إن المسؤولية مرة أخرى مشتركة في التصدي لهذه الظاهرة. وإذا كان التصدي لشبكات الاتجار في البشر عمل لابد منه بتفكيكها وزجرها وحرمانها من وسائل العمل، فإن الحلول الناجعة والاستراتيجية تكمن في توفير اسباب استقرار الشباب الحالم بالهجرة، أي تحقيق التنمية الاقتصادية ولاجتماعية المنتجة للشغل الضامن للدخل، الضامن بدوره للكرامة، ومحاربة الفوارق المجالية والاجتماعية.

وتقع علينا في هذا العمل مسؤولية مشتركة من خلال الاستثمارات والتمويل وإعطاء مدلول جديد للشراكة عبر المتوسط، والشراكة شمال-جنوب. إننا بحاجة إلى نموذج لمخطط جديد لتنمية إفريقيا وجنوب وشرق المتوسط وبحاجة إلى تحويل للتكنولوجيا لزيادة الإنتاج وتحويل إمكانياتنا الهائلة، في جنوب وشرق المتوسط وإفريقيا، إلى ثروات من خلال العمل.

إن مكافحة الارهاب والتصدي لجذوره تحتاج إلى بناء دول قوية، إذ أن الدولة الهشة والكيانات الصغرى والمجالات الترابية غير المراقبة وغير الخاضعة لسلطات دول قوية ستظل مصدر تهديد وانتاج للتطرف ولذلك هناك ضرورة ملحة لتسوية نهائية وعاجلة للنزاعات الدولية والاقليمية.

إن مخاطر التهديدات، التي تواجهها على سبيل المثال منطقة الساحل الافريقي، على الأمن الاقليمي والدولي ودورها في تفريخ الارهاب، لاتقل خطرا عن الأوضاع في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.

وعندما يتحالف الإرهاب ونزعات الانفصال في استراتيجية واضحة لإضعاف الدول، فذلك هو الخطر الأكبر، وعندما ينضاف إلى ذلك الاتجار  في السلاح والبشر والمخدرات، فإن الأمر يتعلق بتحالف أقوى لتقويض الاستقرار وكل بناء دولتي، Construction étatique

إن التحديات التي تواجهها منطقة البحر الأبيض المتوسط تتطلب مقاربات إقليمية ودولية مشتركة، تتجاوز التعاون التقليدي والتنسيق إلى بناء سياسات مشتركة واستراتيجيات مندمجة للشراكة من أجل التنمية والتصدي لجذور مشكلات المنطقة، التي هي في طريقها إلى أن تصبح مشكلات دولية تهدد السلم والأمن والاستقرار عبر العالم.

ويتطلب ذلك أيضا تقوية الديموقراطيات والاقتصادات الصاعدة والدول التي تعتبر ركائز استقرار إقليمي ودولي. وليس من باب الاعتزاز بالذات أبداً إذا جددنا التذكير اليوم، بأن المملكة المغربية تعتبر نموذجا لدولة ناجحة عريقة تبني ديموقراطية متأصلة أساسها تعددية سياسية وتقليد كبير في التوافق وتنوع ثقافي فريد ينصهر في وحدة الهوية عمادها ملكية دستورية ديموقراطية واجتماعية برلمانية وأحزاب قوية ومجتمع مدني يقظ، نُنْجز كل هذا رغم تواضع إمكانياتنا المالية التي نعوضها بقُدرتنا على تدبير الاختلاف على نحو ديموقراطي خَلاَّق. ننجز هذا بالموازاة مع وفائنا بالتزاماتنا الدولية والاقليمية التي تعد السياسة الافريقية للمغرب التي يرعاها ويقودها جلالة الملك محمد السادس عربون تضامن عملي وتجسيد روح التعاون جنوب-جنوب المحتاج اليوم إلى الدعم الهيكلي من جانب القوى الكبرى.

شكرا على حسن انصاتكم ومتمنياتي لأشغال هذا اللقاء بكامل التوفيق والنجاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..