Pasar al contenido principal

الرباط 25/03/2012 : كلمة السيد كريم غلاب رئيس مجلس النواب في الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط

 

 

 

 

 

 

كلمة السيد كريم غلاب رئيس مجلس النواب في الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط

 

الرباط  25/03/2012  

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد مارتن شولز Martin Schulz رئيس البرلمان الأوروبي،

السيد Antonio LEONE نائب رئيس مجلس النواب الإيطالي،

السيد محمد الدويب رئيس الوفد الأردني،

السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة ورئيس مؤسسة أنا ليند،

السيد عبد الواحد الراضي رئيس الاتحاد البرلماني الدولي،

السيد يوسف العمراني، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون،

السيد فتح الله السجلماسي الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط،

السيدة أمنية طه، ممثلة السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية،

السيد Christian BERGER، ممثل السيدة Catherine ASHTON، المفوضة السامية للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسات الخارجية والأمن،

السيدات والسادة النواب المحترمين،

أصحاب المعالي السفراء، وأعضاء السلك الدبلوماسي،

حضرات السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سرور مجلس النواب المغربي واعتزازه استضافتكم ببلدكم الثاني المغرب، وإذ أرحب بكم متمنيا لكم مقاما طيبا مباركا، أهنؤكم بانعقاد الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، آملا أن نتوفق جميعا في إنجاح هذه الدورة بما يحقق نقلة نوعية في مسار عملنا الأورومتوسطي، رفعا للتحديات التي تواجهها بلدان المنطقة، وتجسيدا لتطلعات شعوبنا نحو الرقي والنماء والاستقرار.

أصحاب المعالي والسعادة،

تعد الدورة الثامنة لجمعيتنا البرلمانية محطة تاريخية هامة في العمل الأورومتوسطي المشترك، حيث تلتئم جمعيتنا في ظل تغييرات بنيوية تشهدها منطقتنا الأورومتوسطية. وأملنا كبير للمضي قدما نحو مستقبل زاهر ينبني على الحوار البناء، والتشاور المتواصل والعمل البرلماني الميداني الدؤوب، لتتبوأ جمعيتنا المكانة اللائقة بها من خلال تمكينها من كل الآليات الفعالة للنهوض بدورها الحيوي حتى تتمكن من كسب الرهانات السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية للمنطقة.

يعتبر البرلمان المغربي الاتحاد من أجل المتوسط ضرورة إستراتيجية تنموية وأمنية ملحة، يزيد من حتميتها عصر التكتلات، والتطلعات العميقة والمتواصلة لشعوب الضفة المتوسطية إلى تجسيد الروابط المتجذرة التي تجمعنا استنادا إلى علاقاتنا التاريخية والحضارية ومصيرنا المشترك.

إن ضرورة التجمع البرلماني لجمعيتنا في سياق الظرفية الإقليمية والدولية الراهنة، من شأنها الإسهام بفعالية في تدعيم الروابط التاريخية للحوض المتوسطي التي تعتبر منبع الحضارات الإنسانية والديانات السماوية الثلاث، وموطن الشعوب المختلفة، ومنطلق التكنولوجيات الحديثة، وملتقى الثقافات، وتلاقح النظريات والأفكار.

إن إيماننا لقوي واقتناعنا راسخ بأن الطريق الأنجع لتحقيق التطلعات المشتركة لبلداننا الأورومتوسطية في التكامل والتنمية، والأمن والاستقرار، ورفع التحديات التي تفرضها تداعيات شمولية الاقتصاد، ومتطلبات التنمية المستدامة، ومواجهة المصاعب الأمنية المشتركة، تتمثل أساسا في تعميق تشاورنا البرلماني بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك بشكل منتظم ووفق منهجية ناجعة.

إن البرلمان المغربي يجدد التأكيد على عزمه الثابت في تنشيط العمل الأورومتوسطي. كما يؤسس لعلاقات متوازنة داخل محيطه ويؤهله للاضطلاع بدوره الوازن على المستوى الدولي من منطلق حرصه على تقوية الآمال لدى الشعوب المتوسطية المؤمنة بحتمية الاتحاد في تحقيق التنمية، لأن اتحادنا الأورومتوسطي يعد حصانة للمنطقة في وجه الأزمات الاقتصادية والمالية، والتهديدات الأمنية، ومن شأنه أن يؤهل تجمعنا ليصبح فاعلا أساسيا وشريكا استراتيجيا قويا في محيطه الإقليمي.

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

إن هذه الدورة مناسبة للتنويه بحصيلة جمعيتنا البرلمانية التي كان للمغرب شرف رئاستها منذ مارس 2011، والتي استطاعت عبر دوراتها واجتماعات لجانها وندواتها أن تؤطر حوارا برلمانيا بين ضفتي المتوسط على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، عبر تشخيص التحديات والمشاكل، واقتراح البدائل حتى تصبح البحيرة المتوسطية عامل تلاق وتعاون وتضامن، وفضاء للسلم والاستقرار على أساس مبادئ القانون الدولي.

وإننا إذ نعتز بالانتماء إلى الفضاء المتوسطي بكل عمقه الحضاري والتاريخي وثرائه الروحي والثقافي، متمثلين مهد الديانات التوحيدية وأصول الفكر الفلسفي والديموقراطي الذي شكله هذا الفضاء، وكذا إسهام المتوسط المعاصر في التطور الإنساني الواسع، علميا وتقنيا وتربويا ومعرفيا، فإنه ينبغي –مع كل ذلك الاعتزاز بالجذور والآفاق المتوسطية – أن نستحضر أيضا عددا من مظاهر التعثر والاختلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين ضفتي المتوسط، التي تعكسها بالخصوص قضايا الهجرة والهجرة السرية، ومستويات الحياة الدنيا التي لا توفر شرط الكرامة والإنسانية، وقضايا البطالة، وضعف الخدمات الاجتماعية الضرورية، والتمايز الصارخ على مستوى المداخيل وبنيات الإنتاج والاستهلاك، ومصاعب تحديث المؤسسات والهياكل الاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك من القضايا التي تتطلب منا – كبرلمانيين وبرلمانيات في البلدان المتوسطية – مواصلة التفكير المشترك والعمل الجماعي الضاغط والفاعل لترسيخ ثقافة التضامن والتكامل والتعاون والتنسيق حتى ينخرط المتوسط بشماله وجنوبه، بالقوة وبالفعل، في سياق المستقبل.

ولعل المقام يقتضي أن أشير إلى ما شهدته الضفة الجنوبية للمتوسط، منذ انعقاد دورتنا الأخيرة في روما، من تحولات وتقلبات سياسية عاصفة، وذلك نتيجة لارتفاع وتيرة الاحتجاج الجماهيري في بعض بلدان الضفة دفاعا عن مطالب جوهرية مشروعة لصيانة الكرامة الفردية والجماعية، وإقرار العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير مناخ مفتوح لممارسة الحرية والحياة الديموقراطية وضمان احترام فعلي لحقوق الإنسان. وذلك ما قاد –كما تعلمون – إلى انهيار الأنظمة السياسية المنغلقة في تونس ومصر وليبيا، وفتح الأفق من جديد على سيرورة مختلفة من الممارسة السياسية والبناء المؤسسي والديمقراطي.

وفي نفس السياق، بدا واضحا أن بعض بلدان جنوب المتوسط كالمملكة المغربية التي اختارت مبكرا الانفتاح والتعدد والممارسة الديمقراطية، أمكنها أن تستوعب هذه اللحظة، وأن تستبقها بالإمعان في أوراش الإصلاح السياسي والدستوري التي كانت قد انطلقت منذ أكثر من عشر سنوات، وأن تتجاوب مع روح التجديد الفكري والسياسي ضامنة استقرارها وتقوية مسارها الديمقراطي والإصلاحي قصد معالجة المصاعب الاقتصادية والتجاوب مع الانتظارات الاجتماعية الضاغطة.

إننا إذ نعبر عن إشادتنا واعتزازنا بالمكاسب الديمقراطية التي أفضت إليها التحولات والثورات التي حصلت في تونس ومصر وليبيا، معبرين عن آمالنا في تعزيز هذه المكاسب للتجاوب مع حاجيات الشعوب الملحة ومطالبها من أجل الكرامة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، نتطلع أن تشكل هذه التحولات طفرة نوعية في مسار العمل العربي المشترك، وفي تجسيد المشروع المغاربي الذي تتظافر اليوم العديد من العوامل والمؤشرات المساعدة للشروع في تحقيقه، مما سيساهم بكل تأكيد في التجاوب مع حاجيات شعوب المنطقة، وتعزيز التعاون الأورومتوسطي.

إننا إذ نتابع أيضا بقلق كبير واستياء بالغ الأحداث الجارية في سوريا، نؤكد على الضرورة المستعجلة لإنهاء معاناة الشعب السوري وما يتعرض له من قمع وتقتيل وسفك للدماء وخرق لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، وذلك من خلال مواقف حازمة للمجموعة العربية والمنتظم الأممي بما يضمن للشعب السوري حقه في الحرية والديمقراطية والكرامة، وفي إطار احترام سيادته ووحدته واستقراره.

حضرات السيدات والسادة،

إن السلم والأمن كانا وسيظلان دائما الشرطين الضروريين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتعاون المثمر، لذلك فإن المعضلة الكبرى التي يعتبر حلها المدخل الضروري لاستقرار منطقتنا تظل هي أزمة الشرق الأوسط والتي تشكل عواقبها كارثة على الأمن والاستقرار على صعيد المنطقة وعلى الصعيد الدولي.

إننا إذ نجتمع في هذه الدورة، هنا على أرض المغرب التي اعتبرت دائما أرض سلام ووئام وحوار ومحبة، والشواهد على ذلك متعددة وثابتة، نجد أنفسنا مدعوين إلى تجديد النظر المتوسطي إلى الشرق الأوسط وقضية الشعب الفلسطيني الصامد الذي يناضل من أجل حريته واستقلاله وبناء دولته الوطنية فوق أرضه وتحت رايته وبعاصمته القدس.

وفي هذا السياق، لا يسعنا إلا أن نندد بالسلوك الرسمي الإسرائيلي المتغطرس تجاه الشعب الفلسطيني، هناك حيث تتواصل الاغتيالات الممنهجة، والاعتقالات غير المشروعة بما فيها اعتقال زملائنا النواب الفلسطينيين المنتخبين والذين نطالب بإطلاق سراحهم الفوري. كما تتواصل عمليات هدم البيوت والمساكن، إمعانا في العداء والكراهية والعنصرية والنيل من طمأنينة واستقرار وراحة المدنيين العزل، والمضي بدون رادع في سياسة الاستيطان المرفوضة سياسيا وقانونيا وأخلاقيا، وعدم التردد في خرق الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، والاستهتار بكل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

إننا نستنكر بشدة هذا التعنت الإسرائيلي، ونحمل المسؤولية لإسرائيل حول تبعات وتداعيات هذه السياسة العدوانية التي لا تعبر مطلقا عن إرادة في السلام أو تطلع إلى المستقبل، أو انخراط في الأخلاق الإنسانية والحضارية المعاصرة بما تقتضيه من التزام بالمبادئ والقيم والأعراف والقوانين الدولية.

ومن هنا، فإن مسؤولية المتوسطيين اليوم في استتباب السلم والأمن والوفاق على المستوى العالمي تعتبر جسيمة لأن المدخل الأساسي للسلم العالمي هو الحل العادل والشامل والنهائي للنزاع العربي الإسرائيلي وذلك على قاعدة قرارات الأمم المتحدة ومبادئ العدل والإنصاف المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتلك هي القيم الموحدة التي ستمكننا من بناء تحالف الحضارات.

وبالنظر للظرفية السياسية والاقتصادية والجهوية والدولية العامة التي تنعقد في إطارها دورتنا الثامنة، ولنوعية القضايا السياسية التي حضرت في شأنها تقارير اللجان سواء تعلق الأمر بالقضايا السياسية ومستلزمات الأمن والاستقرار، أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أو قضايا الحوار بين الثقافات والحضارات، والمساواة بين الجنسين، فإن هذه الانشغالات تعبر عن جدية الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط وتفاعلها مع محيطها، والتحولات والتحديات التي يشهدها عالم اليوم، والتي تجعل المشاكل المطروحة على البشرية في كل الميادين تتجاوز في كثير من الأحيان الخيارات الوطنية، وتتطلب مقاربة شمولية وعملا جماعيا على الصعيد الدولي من أجل عالم أكثر توازنا وعدلا وأمنا وتكافؤا وتضامنا وإنصافا.

وأخيرا، أود في ختام هذه الكلمة أن أتوجه إلى أصحاب المعالي رؤساء البرلمانات والمجالس النيابية والنائبات والنواب المحترمين، وكذا السيد الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط بالشكر العميق على مساعيهم المتواصلة من أجل تعزيز البناء الأورومتوسطي، كما أنوه بالمجهود الكبير الذي بذله أعضاء اللجان وأعضاء المكتب والمكتب الموسع، كما أتوجه بنفس التشكرات إلى الأمانة العامة للرئاسة المغربية لجمعيتنا على ما قامت به من عمل جدي وبكفاءة ومهنية عالية في تحضير كل اجتماعات لجننا ودورات جمعيتنا.

متمنياتي بكامل التوفيق والنجاح لأشغال هذه الدورة، ولجمعيتنا البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في سعيها للمساهمة في تحقيق مشروعنا الكبير، مشروع السلم والتنمية والتعاون والرخاء المشترك لحل مشكلات الحاضر وتجاوبا مع تطلعات المستقبل.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.