السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
زميلاتي زملائي رؤساء وأعضاء الوفود البرلمانية،
حضرات السيدات والسادة،
أَودُّ، بدايةً، أن أعبِّر عن تقديري لرئاسة الاتحاد البرلماني الدولي وسكرتاريته العامة على اتخاذ المبادرة بإدراج موضوع الهجرة الدولية ضمن الاهتمامات الأساسية لهذا المؤتمر. وظَنِّي أن الأَمر يتعلق بمبادرةٌ جدية مسؤولة تؤكد على حيوية اتحادنا، وعلى مدى مواكبته الفعلية والفعالة للقضايا المعاصرة الأكثر إلحاحاً، والأكثر إثارة للقلق بل ولتعبئة الإرادة الخيِّرة للمجتمع البرلماني الدولي والإسهام الرصين في إيقاظ الضمير الإنساني.
أحياناً يعجز التعبير عن استيعاب هَوْل الكارثة، وتتوقف الكلمات عن بناء المَعْنَى ووصف المشاعر الانسانية التي تهزها الأحداث المتلاحقة والمتسارعة للهجرة واللجوء.
وتَنْجَحُ الصورة التلفزيونية أكثر من أن تقول مالا تستطيعه الكلمات. ولا أظن أن الانسانية جمعاء ستنسى سريعاً صورة إيلان (Aylan)، الطفل السوري الغريق على شاطئ البودروم (Bodrum) جنوب تركيا. كل الصحف الكبرى في العالم، وجميع القنوات التلفزيونية ومواقع الشبكات الاجتماعية تداولت تلك الصورة التي كانت أقصى تعبير عن عمق الفاجعة.
إن الهجرة، اليوم، معضلة إنسانية وموضوع انشغال دولي متزايد، ومصدر للعديد من الجدل والسجالات، معضلة أضحت تطرح نفسها بإلحاح على السلطات الحكومية ومكونات المجتمع المدني والآليات الدولية للقانون وحقوق الانسان مثلما على المؤسسات الإعلامية والعلمية وعلى الباحثين والمفكرين والمبدعين والشخصيات العالمية المؤثرة في صنع القرار وصنع الأفكار وصناعة الرأي العام الدولي الإيجابي. وهي معضلة تطرح نفسها علينا كبرلمانيين وكبرلمانيات من مختلف الأقطار والتجارب الديموقراطية والأنظمة السياسية.
ليست لدينا راهنأً آخرُ الاحصائيات العالمية الدقيقة للهجرات وطلبات اللجوء، وذلك في ظل التطورات المأساوية المتسارعة. وحسب آخر إحصاء دولي معتمد لديَّ، قبل حوالي سنة ونصف، فإن عدد المهاجرين عبر العالم وصل 240 مليون مهاجر ومهاجرة (فضلاً عن 740 مليون مهاجر ومهاجرة داخلياً). ولوحظ أن هناك اختلالاً في اتجاهات هذه الهجرات : 97 مليون مهاجر منهم من الجنوب إلى الشمال، و74 مليون جنوب – جنوب، و37 مليون شمال – شمال، و40 مليون شمال-جنوب. أما الباقي فيتدفق من بلدان شرقية إلى بلدان غربية، ونادراً من الغرب إلى الشرق.
أصبحت الهجرة إذن ظاهرة كونية، وتعَوْلَـمَتْ تَدفُّقاتها. كما تزايد عدد البلدان التي أصبحت بلدان هجرة، مصدراً واستقبالاً وعبوراً، بغض النظر عن طبيعة انظمتها السياسية ومستوياتها التنموية. وظهرت شبكات هجرة وتهجير عابرة للحدود، متخصصة في الاتجار في الأشخاص. وأصبح القانون الدولي، لا أمام معضلة الهجرة في حد ذاتها، والتي لها أسبابها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وإنما أمام تزايد متزامن ومرتبط للجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة وتهريب الإرهابيين والمتطرفين، وتهريب المخدرات.
من المؤكد أن الأمم المتحدة، خصوصاً برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD)، كانت قد أكدت على البعد الإنساني والحضاري والثقافي لظاهرة الهجرة المنظمة العادلة، العقلانية والمتحكم فيها قانونيا وتنظيميا ولوجيستياً. ويمكننا أن نلاحظ بموضوعية أن الهجرة المتدفقة الحالية على الأقطار الأوروبية بالأخص، بالرغم مما شابها من انحرافات ومخاطر محتملة، تتميز بنوعية خاصة من المهاجرين واللاجئين، لها مستويات ثقافية وعلمية واجتماعية مرتفعة، مما يمكننا إدراجه في باب هجرة الأدمغة، وهجرة لعقول وكفاءات استثمرت فيها بلدانها الأصلية إمكانيات هائلة قبل أن تجتاحها الحروب والتوترات والظواهر الإرهابية المتنوعة. وهي كفاءات يمكنها أن تندمج بسهولة في الجغرافيات الجديدة وتسهم في إثراء مواطن الاستقبال الجديدة علميا واقتصاديا وثقافيا إذا ما توفرت الحكامة الدولية والوطنية المنشودة لاستيعاب التنقلات البشرية التي قد تبدو اليوم مخيفة ومقلقة بالنسبة للكثيرين، إذا لم ينظر إليها بوعي إنساني وحضاري سليم، وبروح منفتحة على التاريخ والمعرفة والقانون الدولي وحقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في الحياة، والحق في الكرامة، والحق في الأمن، والحق في الاستقرار.
لا أريد أن أطيل، لكنني أود فقط أن أدعو الاتحاد البرلماني الدولي إلى التفكير في إنجاز دراسة علمية دقيقة حول خرائط ومسارات الهجرة واللجوء في العالم، ومدى إسهام البرلمانات في إرساء حكامة جيدة خاصة بالهجرة والتنقلات البشرية انطلاقا وعبوراً واستقبالاً، وإبراز بعض النماذج الإيجابية التي أنجزت حتى الآن بتعاون مع الأمم المتحدة أو بإشراكها وتمثُّل توجهاتها وتوصياتها الإنسانية والحضارية. ويمكننا في المملكة المغربية أن نقدم تجربتنا في نهج سياسة جديدة، خاصة السياسة التي انطلقت منذ سنة 2013، فالمغرب جغرافيا يمثل الجسر بين أوربا وأفريقيا حيث كان في السابق محطة عبور ليتحول أو يصبح بفضل سياسة الهجرة إلى بلد استقبال واستقرار، لقد تمت تسوية وضعية 18600 مهاجر من مختلف أنحاء العالم وبدون تمييز. لم نضع شروطا انتقائية في تسوية وضعية المهاجرين، لقد وضعنا شرطا واحدا هو حماية حقوق أولئك الأشخاص ذلك الانسان المهاجر، الضعيف المعزول.
المغرب لا يتوفر على إمكانيات أو ثروات ورغم ذلك لم يكن هذا الأمر هاجسا أو حاجزا أمام اقتسام ما نملك مع هؤلاء المهاجرين الذين حلوا بالمغرب بقصد أو بدون قصد.
أحييكم جميعاً، وأتمنى لأشغال مؤتمرنا هذا كامل التوفيق والنجاح.
وشكراً على اهتمامكم.