بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أَشْرف المرْسَلين
السيد رئيس الحكومة،
السيد رئيس مجلس المستشارين
السادة الوزراء،
السيدة رئيسة اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الافريقي
السيد الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي
السادة رؤساء البرلمانات ورؤساء وأعضاء الوفود
السادة والسيدات الحضور الكرام،
لابد في مستهل هذه الكلمة أن أرحب بكم جميعاً، هنا في الرباط على أرض المملكة المغربية التي انعقدت فيها أشغال اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الأفريقي في اجتماعها الخامس والستين، وتنطلق فيها اليوم أشغال المؤتمر في دورته السابعة والثلاثين، وهو حدث رمزي كبير يحتضنه المغرب برعاية ملكية سامية من لدن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره، وهي مناسبة نتشرف بها في البرلمان المغربي ونغتنمها لتجديد الأخوة والصداقة مع عدد من إخواننا وأصدقائنا من البرلمانات الأفريقية الحاضرة.
والواقع أن المملكة المغربية لم تَدَّخِر أَيَّ جهد في التجاوب المتواصل والحثيث مع مبادرات ومقترحات وأنشطة الاتحاد البرلماني الأفريقي. كما أن بلادنا في توجهها الأفريقي، لا تقوم بعمل عَرَضِي، مؤقت، أو بخطوات استعراضية أو تاكتيكية، وإنما هو توجه استراتيجي طبيعي وواجب ينخرط فيه المغرب مشدوداً إلى عمقه الجغرافي والجيوسياسي، وإلى جذوره الثقافية والحضارية، وإلى أحد أهم مكوناته الإثنية كما هو واضح في ديباجة دستوره التي تؤكد على روافد الهوية الوطنية للمغاربة الأفريقية والأندلسية والعِبْرية المتوسطية إلى جانب المكونات العربية-الاسلامية، الأمازيغية والصحراوية الحسانية.
ومن هنا، فإن ارتباطنا بقارتنا السمراء تمليه ضرورة وجودية. ويظل خياراً استراتيجيا واعيا لاتَرَدُّدَ فيه ولا تراجع. بدليل أن المغرب، حتى عندما غادر منظمة الوحدة الأفريقية، لم يقطع صِلاَته مع أفريقيا وقضاياها، ولم يتأخر عن الانخراط في ملفاتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ ظل حاضراً فاعلاً متفاعلاً. ولعله بفضل هذه الروح من الجدية والنزاهة والوضوح في المواقف والاختيارات والالتزامات، أمكنه ليس فقط أن يحتفظ بأشقائه وأصدقائه إلى جانب قضاياه العادلة بل وأن يتمكن من إقناع عدد آخر من الدول الأفريقية بصواب مواقفه، وبناء الثقة الأفريقية في تجربته وإمكاناته الذاتية وخبراته الملموسة التي لم يتردد في اقتسامها مع إخوانه وأصدقائه الأفارقة.
وهذا ما يفسر المبادرات الملكية وزيارات جلالة الملك المتواترة إلى عدد من البلدان الأفريقية، وما يلقي الضوء على عدد من الخطوات التي أقدم عليها المغرب مؤخراً في الحقل الحقوقي مثل تسوية ملفات إقامة المهاجرين من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء على أرض المغرب، وتنظيم دورات تكوينية للأئمة الأفارقة في المغرب دعماً للخبرة الدينية والمعرفية على أساس من الاعتدال والوسطية وثقافة السلم والحكمة والتبصر في مواجهة أفكار التطرف والإرهاب والاستعمالات الخاطئة للدين الإسلامي الحنيف، وكذا حرص المملكة المغربية على استقبال آلاف الطلبة الأفارقة في مختلف الجامعات والكليات والمدارس والمعاهد لمتابعة دراساتهم العليا بمنح مغربية بل واستقبال مئات من الأطر في مدارس التكوين المهني والطبي والفندقي والزراعي والأمني وغيرها.
السيدات والسادة أعضاء المؤتمر،
أيها الحضور الكرام،
لقد توفقت اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الأفريقي باختيارها لمحاور هذا المؤتمر التي يبدو واضحاً مدى ترابطها النسقي. إن كفاح البلدان الأفريقية ضد آفة الإرهاب بجميع اشكاله يتطلب بالفعل بناء القدرات الوطنية وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، وبالتالي فإن تحقيق التنمية المستدامة، ومحاربة الفقر، وحماية الأسرة يقتضي بذل الجهد الكبير الصادق الأكيد للتمكين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمرأة في مجتمعاتنا الأفريقية لتظل في مقدمة السبل الكفيلة بتجفيف مصادر الإرهاب وردع أسبابه المادية.
إن تزايد الظاهرة الارهابية واتساع مساحاتها الجغرافية في القارة الأفريقية أصبحا مثار قلق كوني، وكلما تابعنا المزيد من الصور والأحداث على هذا النحو من الرعب والعنف والجهل والغطرسة والدموية، كلما تضاعفت النداءات وارتفعت أصوات كبار المسؤولين في المنتظم الدولي، بضرورة التحرك قبل فوات الأوان لمواجهة الارهاب أمنيا بالأساس، ولكن أيضا وأساسا مواجهة هذا الوباء الأكثر تطرفاً وفتكا ووحشية من مجموع الأوبئة والآفات الأخرى التي شهدتها وتشهدها قارتنا الأفريقية.
وها نحن نرى اليوم كيف تقاربت الآفاق وتداخلت المصالح المادية بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للقارات، وكيف أضحت العلاقات البينية قائمة بينها، فتداخلت صور القتل الوحشي مع مظاهر السلوك الإجرامي من تهريب للبشر، وتهريب للموارد الطبيعية، وترويج المخدرات، والاتجار في الأسلحة، وتزوير العملات، وغسيل الأموال الفاسدة، والقرصنة البحرية. وذلك ما حذا بمجلس الأمن الدولي في ماي 2013 إلى الإعراب عن قلقه إزاء هذا التلاحم الإجرامي المضطرد، وإلى التشديد على ضرورة تنسيق الجهود على المستويات القطرية والإقليمية والجهوية والدولية من أجل مضاعفة السبل الكفيلة بالمواجهة العالمية لهذا الخطر المحدق بالاستقرار والسلم والأمن في أفريقيا.
وإننا في المغرب، وقد اختبرنا الإرهاب ولمسنا مخاطره عن قرب ونجحت مؤسستنا الأمنية الوطنية في مجابهته بنجاح، قد صرنا نعرف معنى الإرهاب كاستعمال للعنف وكتهديد باستعماله مع سبق إصرار وترصد، وكسعي إلى بث الرعب في النفوس، وكعمل تخريبي، وكتدمير للمقدرات والبنيات التحتية والممتلكات العامة والخاصة، وكل ذلك لممارسة الضغط قصد إجبار السلطة العمومية على القبول بالأمر الواقع، وإخضاع الإرادات المختلفة لأفكار وخيارات كارثية تستهدف في العمق فرض نظام سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي إيديولوجي على الدولة والمجتمع معاً خارج معايير العقل والسيرورة التاريخية والتطورات الفكرية والاجتهادات الدينية بل وخارج الخيار الديمقراطي الجماعي للأمة.
وهكذا، انخرطت بلادنا في الجهود الأفريقية، وبالخصوص في منطقة المغرب العربي الكبير والساحل، كفاعل أمني سياسي محوري لايتجزأ فعله وإسهامه عن الفعل الجماعي الراهن والمستقبلي للقارة الأفريقية.
وقد علمتنا التجربة أن مواجهة الإرهاب ليست موقوفة فحسب على المجهود الأمني وحده، وإنما على مدى ما يتحقق من تطور ملموس في عمليات الإصلاح والتجديد الفكري والديني والقانوني وحماية النسق الثقافي والاجتماعي، والتعاون والعمل الجماعي المشترك مع الأصدقاء في المنطقة وفي المنتظم الدولي.
كما تعلمنا أن تطبيق الاصلاحات والأوراش الكبرى لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتجفيف ينابيع الفقر والاقصاء يظل أفقاً فعالاً لتجفيف ينابيع التطرف والتشدد والعنف والإرهاب. ومن ثم بادر المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس منذ سنة 2003، وعملياً منذ سنة 2005 إلى تدشين مبادرة وطنية للتنمية البشرية (INDH) بأغلفة مالية هائلة استهدفت خلق فرص للعمل، ومكافحة الفقر، وتجويد وتطوير البنيات التحتية الأساسية في المناطق القروية والأحياء الحضرية الفقيرة والهشة.
وإذ أعرض هذه التجربة، فإنما للتأكيد على أن جهد المملكة المغربية جزء لا يتجزأ من جهود التنمية وإعادة البناء في القارة الافريقية. وكلما نجح المغرب في جهوده وبرامجه بروح خلاقة، كلما كان ذلك مكسبا للقارة الشقيقة والصديقة.
وتبدو هذه الروح الصادقة في سلوك المغرب من خلال حرص بلادنا على أهمية التعاون القاري والإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب،
وذلك بالمبادرة إلى احتضان عدد وافر من المؤتمرات والمنتديات المهتمة بوضع أسس للمواجهة، فمنذ سنوات لم تمر سنة بدون استضافة مؤتمرات أفريقية رسمية وشعبية أو أفريقية أطلسية أروبية في هذا الشأن الأمني والاستراتيجي. كما أولى المغرب أهمية قصوى لمجال التنمية في أفريقيا، إذ توسعت مؤسساته المالية وشركاته ومجموعاته الاقتصادية في عدد من البلدان الأفريقية، وفي عدد من القطاعات التنموية الأساسية كالزراعة والنقل والاتصالات والتكنولوجيات الحديثة والصناعات التحويلية والمستحضرات الدوائية.
وإن مثل هذا الترابط العميق بين ماهو برلماني، ودبلوماسي وسياسي، واقتصادي، وأمني، وثقافي هو الأفق الاستراتيجي الممكن الذي ينبغي أن نلح عليه كبرلمانيين أفارقة كي نصنع معاً سَوِيّاً مستقبل قارتنا الأفريقية وأمن واستقرار ورفاهية شعوبنا.
شكرا. والسلام عليكم