باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
السيد الرئيس،
السادة رؤساء البرلمانات ورؤساء الوفود،
السيدات والسادة أعضاء "رابطة برلمانيون لأجل القدس"،
أيها الحضور الكرام،
يسعدني والوفد البرلماني المرافق لي، أَن أحضر هذا المؤتمر المبارك، الذي ينعقد في كوالا لامبور، شاكرا لهذا البلد الصديق كرم الضيافة وحسن الوفادة. ويطيب لي أن أتناول الكلمة باسم البرلمان المغربي، آملاً أن نتوفَّق جميعاً في حوارنا ومُشَاورَاتنا الأَخوية حول قضيتنا، قضية الشعب الفلسطيني التي ترتبط بحاضر أمتنا العربية والإسلامية وبمصيرها، وتمثل مفتاح الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط الكبير كلها.
ينعقد مؤتمرنا هذا في ظل الظروف الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، والمخططات التي تستهدفها وما يطرحه مخطط السلام الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب، من تحديات على الساحة الدولية والإقليمية، وما قد يترتب عن ذلك من تغيرات سياسية جوهرية، لا سيما بعد أن تم تنفيذ جزء من هذا المخطط على الأرض بهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتقويض المواقف الدولية التقليدية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، بل وتحويلها من قضية تصفية احتلال استيطاني وحق شعب في وجوده وكرامته، وفي بناء دولته الوطنية المستقلة، إلى فرض الأمر الواقع وإرغامه على الامتثال والقبول بالاحتلال، وذلك في رؤية تبدو تقنية تدبيرية ولا توفر الحد المطلوب من الخيال السياسي والاجتهاد والمقاربة الجدية والاقتراح والبحث عن الحلول الموضوعية.
ولنا اليقين، في البرلمان المغربي، بأن كل المقترحات حول القضية الفلسطينية لا يمكنها أن تتحقق إذا كانت من تدبير طرف واحد، وتغيب وجهات النظر الفلسطينية والعربية والإسلامية، وتتجاهل قرارات مجلس الأمن ومقررات الأمم المتحدة ومواثيقها. كما لا يمكنها أن تتحقق على أرض الواقع، والحال أن هناك شعبا لا يمكن محوه بتوقيع أو رغبة تستجيب لطموح انتخابوي آني ولا تتجاوب مع آفاق انتظار العالم المعاصر، ومع أحرار العالم، ومع الضمائر الحية المتبصرة الحريصة على السلم العالمي. وبالتالي فإنَّ أيَّ تصوُّرٍ لحلٍّ نهائي، مُنصِفٍ عادِلٍ للقضية الفلسطينية لا يُمكِنُ أن يتحقَّقَ ويُحَقِّقَ السلامَ المنشود بدون حوارٍ، وبدونِ تفاوُضٍ عقلانِي موضوعِي هادِئٍ.
ولكن الواقع المطروح علينا اليوم يقتضي وحدة الصف الفلسطيني أولا، والتحام مكونات الأمتين الإسلامية والعربية. ولنتكلم بصراحة، هل كان من الممكن أن تطرح بعض المخططات والمقترحات غير الموضوعية، وغير المنصفة لو كانت المكونات الفلسطينية والمكونات العربية الإسلامية متوافقة على كلمة سواء بينها؟
علينا إذن أن ندرك دقة المرحلة والمخاطر الجسيمة التي تتهدد القضية الفلسطينية في ظل التفتت الذي ينال من الجسد العربي الإسلامي، وبالتالي فإننا بصدد مواجهة أفق خطير، في تجاهل للتاريخ، للواقع، وللمعايير والقوانين والشرائع الدولية والإنسانية، وكذا تجاهل المقترحات الفلسطينية والعربية الوجيهة والعقلانية التي تؤسس للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتراهن على حل الدولتين، وضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من هنا تكمن أهمية هذا اللقاء، كونه يوفر لأمتنا بعض الأجواء الإيجابية المنشودة، للحفاظ على مكاسب القضية الفلسطينية وما راكمته أمتنا الإسلامية والعربية من مواقف ومقترحات تصون أسباب السلم وتصنع المستقبل المشترك وتضمن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم. وأساسا، من شأن هذا المؤتمر وكل المبادرات الرسمية والشعبية أن تسهم في مواجهة كافة مخططات اليأس والتيئيس، وفي الإبقاء على جذوة الأمل متقدة في النفوس وفي الضمائر.
وبهذا المعنى، فإن موقف المملكة المغربية، ملكا وحكومة وشعبا، من قضية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لا يتزحزح، ويتكامل مع حضور القضية الفلسطينية في وجدان كل المغاربة ولدى كل مكونات الشعب المغربي، فالمملكة المغربية، التي يرأس عاهلها لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، جددت التعبير عن موقفها في "نداء القدس" لـ30 مارس 2019، والموقع من طرف جلالة الملك محمد السادس، والبابا فرانسيس الأول، والذي يؤكد على "ضرورة أن تُكفل داخل المدينة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة، لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها، بما يجعل القدس الشريف تصدح بدعاء جميع المؤمنين إلى الله تعالى، خالق كل شيء، من أجل مستقبل يعم فيه السلام والأخوة كل أرجاء المعمور".
إن الشعب المغربي، ماض في دعمه المتواصل للقضية الفلسطينية عموما والقدس بمركزها ومقدساتها على وجه الخصوص، والمساهمة المغربية في هذا النضال لا تتوقف كما تعكس ذلك المساهمات البرلمانية المغربية في مختلف المحافل البرلمانية الجهوية والإقليمية والدولية، وكذا على مستوى العلاقات الدبلوماسية البرلمانية، سواء منها الثنائية أو متعددة الأطراف. وهو ما لا يسمح الوقت المتاح بالتفصيل فيه
وختاما، نتمنى لمؤتمرنا هذا النجاح والتوفيق، والأمل أن تستمر مبادراتنا بكثافة وقوة وفعالية حتى نحقق إن شاء الله الأفق المنشود لصيانة مكاسب القضية الفلسطينية. وما ذلك على أمتنا وشعوبنا العربية والإسلامية بالأمر المستحيل. فقط علينا أن نريد، وأن نوحد إراداتنا في أفق واحد وعلى كلمة سواء.
والسلام عليكم ورحمة الله.