عقد البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، جلسة مشتركة صباح يوم الثلاثاء 11 شوال 1428 ه الموافق ل( 23أكتوبر2007)على الساعة العاشرة صباحا والدقيقة الخامسة، خصصت للاستماع إلى خطاب فخامة الرئيس نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية.
في البداية ألقى السيد مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب كلمة رحب فيها بالضيف الكبير نيكولا ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية، أعقبه خطاب السيد نيكولا ساركوزي باللغة الفرنسية وبعدها كلمة السيد مصطفى عكاشة رئيس مجلس المستشارين، الذي أشاد فيها بشخصية الرئيس وبالكلمة التي ألقاها فخامته. وفي الأخير رفعت الجلسة من لدن السيد مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب.
نص خطاب السيد مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية السيد نيكولا ساركوزي،
السيد الوزير الأول،
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة الوزراء أعضاء الوفد المرافق لفخامة الرئيس،
السيدات والسادة النواب والمستشارون،
أيها الحضور الكريم،
إنه لشرف عظيم لمؤسستنا التشريعية أن تستقبلكم اليوم بعد أيام قلائل من افتتاح أشغال الولاية التشريعية الثامنة من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وبهذه المناسبة يسعدني باسمي الخاص ونيابة على كافة زملائي البرلمانيين أن أرحب بكم فخامة الرئيس باعتباركم صديقا كبيرا للملكة المغربية ورئيسا لبلد عريق في الديمقراطية، بلد الحرية وحقوق الإنسان والتسامح والمساواة، بلد يشكل أحد أعمدة النظام العالمي والتوازن الدولي وركيزة أساسية في البناء الأوروبي.
فخامة الرئيس،
إننا نستحضر اليوم الكفاح التاريخي المشترك بين الشعبين المغربي والفرنسي في مواجهة النازية ونزواتها التوسعية وأرواح شهدائنا وشهداء الشعوب الحليفة التي سقطت دفاعا عن قيم الحرية والكرامة في التحام تاريخي فريد من نوعه جمع أديانا وقوميات وهويات متعددة.
إن النصر الذي حققناه جميعا يدعونا اليوم لاستثمار مغزاه في النضال الفعال من أجل النهوض بقيم المحبة والسلام بين الشعوب والحوار بين الأديان والثقافات خصوصا في عالم اليوم المشوب بالتوترات والنزاعات.
فخامة الرئيس،
إن هذه القيم هي التي دفعت بمغاربة إلى التضحية بحياتهم دفاعا عن فرنسا خلال الحربين العالميتين وكانت وراء نضال فرنسيين من أجل حصول المغرب على استقلاله وهي القيم التي تجعل من الجالية المغربية بفرنسا نموذجا للاندماج الناجح، وإن الإيمان بهذه القيم المشتركة ليمثل قوة بالنسبة للبلدين في عالم يواجه النزوع نحو التعصب والطائفية والانغلاق على الذات، كما يواجه انتشار الأحكام النمطية وإطلاقها تعسفا على حالات لا تمت لتلك الأحكام بصلة مما يولد العنف والعنف المضاد، ولقد ساهمت مبادرتكم السيد الرئيس إلى هيكلة وتنظيم الحقل الديني ببلدكم والإسلام منه بوجه الخصوص في مقاومة هذا الخلط وتوفير اعتراف اجتماعي يكفل للمسلمين ممارسة شعائرهم الدينية في ظروف ملائمة تحفظ كرامتهم وحرية عقيدتهم وهو ما يستحق الشكر والتنويه لفخامتكم بهذه المبادرة الإيجابية.
فخامة الرئيس،
إننا لمدركون بأن زيارتكم إلى بلادنا تدخل في إطار الانشغال بتعزيز أسس التعاون بين بلدينا وتدعيم الحوار والتشاور وتعميق التفكير حول القضايا التي تهم الفضاء الذي نشترك في الانتماء إليه ألا وهو الفضاء الأورو- المتوسطي، فضاء تسعون جاهدين إلى إعطائه دفعة جديدة في إطار مشروع الاتحاد المتوسطي الذي اتخذتموه محورا من المحاور الرئيسية لسياستكم الخارجية وتعملون على إرسائه مع بلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وإنه لمشروع سيعزز المكانة الهامة للعلاقات المغربية الأوروبية في أبعادها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويتلاءم مع تطلع شعبينا إلى المزيد من النمو والاستقرار والتقدم والعيش الكريم في عالم يسوده الحوار والتعايش ويطبعه التمسك بالارتقاء بالإنسان وضمان حقه في حفظ كرامته، وإن الإيمان بالمقاربة الشمولية للحقوق المؤسسة على مبدأ التكامل بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها الحق في التنمية وشروط العيش الكريم وهو ما حدا بجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى إعطاء انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ذلك أن احترام حقوق الإنسان وصون كرامته قيمة متجدرة في تراثنا الثقافي والحضاري وهي المبادرة التي ستساهم في الحد من ظاهرة الهجرة السرية إذا تضافرت جهودنا وعززنا تعاوننا في إطار هذه المقاربة الشمولية، فالشراكة المتوسطية نريدها شراكة أصيلة وقوية ومتوازنة تؤكد مسؤوليتنا الجماعية اتجاه مشاكل العصر وضرورة الإجابة الشمولية لحلها لصالح الجميع في حقبة لم يعد أحد يجادل في أن الأزمات تصدر مثلما تصدر البضائع.
فخامة الرئيس،
إن المغرب وفرنسا يطمحان معا إلى ترسيخ روح التعاون والتضامن والسلام بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وإلى السير قدما في التغلب على كل التحديات التي عرقلت إلى حد الآن بناء الفضاء الأورو-متوسطي وما المبادرة المغربية لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا إلا واحدة من محاولات المغرب الجادة لرفع مختلف العراقيل التي تعوق انطلاق اتحاد المغرب العربي الذي يمثل تأخره عقبة كبيرة أمام تقدم المنطقة ولعب دورها الكامل في تحقيق السلام العادل، هذا إلى جانب ما يمثله استمرار هذا الصراع من تهديد حقيقي لأمن واستقرار منطقة شمال إفريقيا وانعكاساتها على أمن واستقرار الفضاء المتوسطي.
فخامة الرئيس،
إن الإصلاحات الجذرية التي أنجزها المغرب بفضل إصرار وشجاعة عاهله المفدى وعلى رأسها رفع العقبات في وجه الاستثمار لتمثل كلها فرصا جد هامة لتحفيزه، إصلاحات متعددة تندرج ضمن مقاربة شمولية تستهدف تحقيق النمو الاقتصادي وإعادة الاعتبار إلى المواطن المغربي بكل فئاته وشرائحه إلى جانب انخراط المغرب في مسلسل الحداثة وحقوق الإنسان وتكريس دولة الحق والقانون، نخص بالذكر من هذه الإصلاحات فخامة الرئيس ترسيخ حقوق المرأة الذي كرسه إصلاح مدونة الأسرة ومسلسل الحقيقة والمصالحة، وإن إقبال المستثمرين الفرنسيين الذين يعتبرون في صدارة المستثمرين الأجانب على إنجاز مشاريع في المملكة المغربية ينم عن ثقتهم في مؤسساتها وعن اطمئنانهم للاستقرار السائد وعن الإمكانات الهائلة التي توفرت بفضل الديناميكية التي أطلقها صاحب الجلالة نصره الله، ولتعزيز هذه الديناميكية تقدم المغرب كما تعلمون بترشيح مدينة "طنجة" لاحتضان المعرض الدولي لسنة 2012 ليكون أول معرض في بلد عربي إسلامي، وبهذه المناسبة نريد باسم كل المغاربة أن نحييكم ونعبر لكم عن شكرنا وامتناننا لدعمكم القوي لهذا الترشيح.
فخامة الرئيس،
إن المغرب بهويته العربية الأمازيغية، الإفريقية والمتوسطية دافع عن قيم التعايش بين الشعوب عبر تاريخه وناصر القضايا العادلة للأمم والشعوب والحل السلمي للنزاعات، وإن البرلمان المغربي كجزء من مكونات الأمة العربية الإسلامية يعتبر أن حل مشاكل الشرق الأوسط ممكنة عبر إيجاد حل عادل ومنصف ودائم للقضية الفلسطينية والعمل على تعايش الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنبا إلى جنب في أمن واستقرار واحترام تام لحقوق الشعبين، ونحن كعرب ومسلمين نراهن على موقع فرنسا على الساحة الدولية وعلى قيمها كمدافع عن السلام العالمي لدعم إيجاد حل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي كي تحقن دماء الأبرياء وتتوجه المنطقة نحو ما تنشده شعوبها من تنمية واستقرار.
فخامة الرئيس،
إن زيارتكم الرسمية لبلادنا التي ترمز للعلاقة النموذجية التي تربط المغرب بفرنسا ستساهم لا محالة في ترسيخ أواصر الصداقة والثقة والاحترام المتبادل بين الشعبين المغربي والفرنسي وتعزيز علاقات الشراكة والنهوض بالتبادل الاقتصادي بينهما، وإننا لنتطلع لما ستحمله هذه الزيارة من مشاريع جديدة للتعاون بين البلدين نأمل أن تكون محطة ستتلوها محطات أخرى على درب العلاقات الراسخة والبناءة والتاريخية بين بلدينا، كما نتطلع إلى ما ستحمله من أفكار جديدة تعطي لتلك العلاقة الديناميكية والحيوية التي طبعت أنشطتكم منذ توليكم رئاسة الجمهورية الفرنسية.
فخامة الرئيس،
اسمحوا لي مرة أخرى أن أجدد الترحاب بكم وبالوفد المرافق لكم متمنيا لكم مقاما طيبا بين ظهرانينا وأدعوكم فخامة الرئيس للتفضل إلى المنصة لمخاطبة برلمان المملكة المغربية وأدعو السيدات والسادة النواب والسيدات والسادة الوزراء والمستشارين والحضور الكريم للوقوف تحية وتقديرا وإجلالا لضيف المغرب الكبير فخامة الرئيس السيد نيكولا ساركوزي.
نص خطاب السيد مصطفى عكاشة رئيس مجلس المستشارين:
بسم الله الرحمين الرحيم.
فخامة السيد رئيس الجمهورية الفرنسية السيد نيكولا ساركوزي،
السيد الوزير الأول،
حضرات السيدات والسادة الوزراء،
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
حضرات السادة الوزراء أعضاء الوفد الرسمي،
بعد أن استمعنا بالاهتمام البالغ للكلمة التي ألقاها فخامة الرئيس وتمعننا فيما احتوت عليه من أبعاد ودلالات عميقة وما تخللها من أفكار نيرة تدل على بعد النظر في تناول عدد من القضايا والاهتمامات ذات القيمة النوعية، يغمرني الاعتزاز وأنا أجدد إشادتي بهذه الشخصية الفذة التي تشرف البرلمان المغربي اليوم بهذه الزيارة التاريخية المتميزة بالتواصل المباشر لضيف المغرب الكبير مع ممثلي الشعب المغربي، ولعل ما يكرس هذا الاعتزاز الذي يخالجكم جميعا هذه الإرادة القوية التي يعبر عنها جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس نيكولا ساركوزي في مواصلة تعميق أسس العلاقات المثالية القائمة بين البلدين الصديقين في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، يكون التعاون الثنائي مثمرا على الدوام وفق أرضية صلبة وواضحة وفعالة تقوم على احترام القيم المشتركة وضمان المصالح المتبادلة، وإن المغرب بوصفه بلدا متمسكا بجذوره الروحية وخصوصياته الحضارية ليعتمد الاعتدال والوسطية في نظرته لهذه الجذور والخصوصيات ويسعى باستمرار لمسايرة ركاب تطور النمو والحداثة وهو تعامل عقلاني ومتوازن ويرمز بقوة إلى القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي تلتف حوله كل القوى الحية في البلاد لا سيما وأن من مظاهر هذا التعامل التوجه نحو الارتواء من معين الديمقراطية وسن حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا وتدعيم قواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات الفاعلة والانفتاح على كل المشارب والآفاق.
فخامة الرئيس،
حضرات السيدات والسادة،
إننا متفائلون بالنتائج الإيجابية التي ستسفر عنها زيارة فخامة الرئيس والتي ستزيد علاقتنا مودة وقربا وأشكر باسمكم جميعا فخامته وأتمنى له مقاما طيبا في هذا البلد الذي يخصه بالتقدير والاحترام.
والسلام عليكم ورحمة الله.